منعت, وأما لفظ: "رخص" فهو في مقابل "نهى", وليس المعنى أنه كان محرمًا ثم رخص فيه, لا هو من أصل حلال, أما لحوم الحمر الأهلية فالظاهر أن الإجماع انعقد عليها وأنها حرام, وكانفيها خلاف عن بعض السلف في جواز أكلها مطلقًا, أو في جواز أكلها عند الحاجة, أو في جواز أكلها إذا كثرت, ولم نحتج إلى ظهرها, والصحيح أنها حرام مطلقًا؛ لأن الأدلة عامة, لكن من المعلوم أن الحرام إذا اضطر إليه صار حلالاً حتى الخنزير وهو أخبث من الحمير إذا اضطر إليه الإنسان أكله, أما لحوم الخيل فالصحيح الذي عليه الجمهور أن لحمها حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها, وقالت أسماء: نحرنا فرسًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في المدينة فأكلناه, ففيه السنة القولية والسنة الإقرارية أنه اقر أكل لحوم الخيل, وهذا هو الذي عليه الجمهور -جمهور العلماء- أن لحم الخيل حلال, وذهب بعض العلماء إلى أن لحم الخيل حرام, واستدلوا بدلالة ضعيفة وهي قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8]. بعد قوله: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم} [النحل: 5 - 7]. فقالوا: إن الله قسم هذه الحيوانات إلى قسمين: قسم لنا فيه دفء ومنافع وحمل أثقال وأكل, وقسم آخر الخيل والبغال والحمير لشيئين فقط هما: الركوب والزينة, فدل ذلك على التحريم, ولكن هذا الاستدلال بعيد من وجهين:
الأول: أنه مخالف للنصوص الدالة على الحل.
ثانيًا: أن الآية في سورة النحل مكية والإذن في لحوم الخيل في المدينة, فعلى فرض أن الآية تدل على ذلك فيكون نسخ التحريم. اهـ
ثالثًا: أن الذين يستدلون بذلك - أي: بالآية - على تحريم لحوم الخيل إنما استدلالهم مبني على دلالة الاقتران وهي ضعيفة؛ لأن الشيئين قد يشتركان في أمر ويختلفان في أمر آخر أو أمور, فليست دلالة الاقتران ملزمة لكون القرين مساويًا لقرينه في كل شيء.
رابعًا: أنهم لا يقولون بمقتضى الآية؛ لأننا لو قلنا بأن الله قسم الحيوانات إلى قسمين ما يحمل الأثقال وما يركب وما يؤكل, قلنا: إذن لا نحمل الثقال على البغال ولا على الحمير؛ لأن الله تعالى لم يذكر من منافعها إلا الركوب والزينة, وعلى هذا فالآية لا دلالة فيها, وعلى أعلى تقدير أنها تدل على تحريم الخيل, فإننا نقول: إن ما جاء في حل الخيل متأخر ويكون ناسخًا لما تقتضيه الآية في التحريم.