كتاب الجهاد
ذكرنا فيما سبق أن العلماء صنفوا تصنيفاتهم على ثلاثة وجوه: كتاب، والثاني: باب، والثالث: فصل، فالكتاب هو عبارة عن الدخول إلى مسائل متعددة، لكن يجمعها حكم واحد والباب لتحديد الأنواع، فمثلاً: الجهاد فيه عقد ذمة وفيه عهد، وأشياء متنوعة، والفصل لتنوع المسائل فقط فهو كالاستراحة، إذا طال الباب جعلوا فصولاً.
الجهاد: لا يشك عالم باللغة العربية أنه مصدر فعله جاهد يجاهد جهادًا، ومعناه: بذل الجهد، أي: الطاقة في إدراك أمر شاق، وهنا نقول: المراد به في هذا الباب خاصة: بذل الجهد لتكون كلمة الله هي العليا، وعلى هذا التعريف يشمل الجهاد بالسلاح، والجهاد بالبيان؛ لأن طالب العلم يبذل الجهد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ودين الله تعالى هو المعمول به في الأمة، فهو يقرأ الكتاب والسنة ويفهم معناهما وينشره بين الناس ويدعو إلى سبيل الله، فهو إذن مجاهد في سبيل الله؛ ولهذا نرى أن الذين في المعركة والذين في مجلس العلم وهم يطلبون العلم حقيقة أنهم سواء في الأجر، بل ربما يزداد أجر طالب العلم لما يحصل من علمه إذا كان ناصحا لله ورسوله من نشره السنة وبيانها، ولهذا نجد أن المجاهد في المعركة محتاج إلى المجاهد في العلم ولا عكس.
ينقسم الجهاد إلى قسمين:
* هو أولاً جنسان: الجنس الأول: جهاد الأعداء بالسلاح.
والجنس الثاني: الجهاد لإعلاء كلمة الله بالبيان والعلم، الجهاد - أعني: جهاد الأعداء - ينقسم إلى قسمين: جهاد دفاع، وجهاد طلب؛ فمن غزانا من الكفار فجهاده جهاد دفاع، ومن غزوناه من الكفار فجهاده جهاد طلب، ولكن جهادنا للكفار هل هو من أجل أن يسلموا أو من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وإن يسلموا؟ الثاني، والدليل على هذا ما رواه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله