وإن أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة"، "أُخبرت" أخبره بلا شك رجل جاهل جهلًا مركبًا؛ لأنه أخبره بما ليس هو الحق، ويقول العلماء: الجاهل المركب هو الذي لا يعلم ولا يدري أنه لا يعلم، ولهذا ركب جهله من كونه لا يعلم الواقع ولا يعلم بحاله أنه لا يعلم فهو في الحقيقة مركب من جهلين، والبسيط هو الذي لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم مثال ذلك: ثلاثة رجال سألنا أحدهم فقلنا له: متى كانت غزوة الخندق؟ فقال: في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة هذا جاهل مركب؛ لأن غزوة الخندق في شوال في السنة الخامسة، وسألنا الآخر فقال: لا أدري هذا جاهل بسيط، وسألنا الثالث قال: في شوال سنة خمس من الهجرة هذا عالم، فالذين أخبروه بأن على ابنه الرجم هؤلاء جهال جهلًا مركبًا، "فافتديت منه" يعني: أعطيت فداء عن ابني، "بمائة شاة ووليدة"، المائة شاة معروفة وهي الواحد من الضأن أو أعم من ذلك أو الأنثى من الضأن، "ووليدة" هي الأمة.
"فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام"ـ أهل العلم أخبروه بالحق أنه لا يجب الرجم على ابنه وإنما الجلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، كان بالأول الأعرابي أتاه مائة شاة ووليدة وامرأته سالمة من فتوى الجهال، لكن الآن صار الرجم على امرأة الأعرابي وهذا ليس عليه إلا جلد مائة وتغريب عام بماذا؟ قال العلماء: يجلد بسوط بسوط لا جديد ولا خلق، يقولون: لأن الجديد صلب يؤثر عليه وربما يجرح جلده، ولا خلق يتفتت لأنه قديم ولا يكون على ما ينبغي إيجاع هذا الزاني، "وتغريب عام"، يعني: إخراجه من البلد حتى يكون غريبًا لمدة سنة، وقوله: "وأن على امرأة هذا الرجم"، الرجم: هو أن يضرب الزاني بالحصى الصغار التي ليست كبيرة جدًّا ولا صغيرة حتى يموت.
فقال رسول الله: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله"، أقسم صلى الله عليه وسلم بالذي نفسه بيده وهو الله، وإنما أقسم من أجل أن يطمئن كلا الخصمين، لا سيما الأول وهو الأعرابي، الإقسام هنا في محله لدعاء الحاجة إليه والمصلحة من وجوده، وقوله: "والذي نفسي بيده" أي: أن نفس الرسول بيد الله إن شاء أرسلها وإن شاء قبضها، وكل إنسان نفسه بيد الله إن شاء أرسلها وإن شاء قبضها، قال الله- تبارك وتعالى-: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [الزمر: 42]، مناسبة القسم بهذا دون أن يقول: والله ليشعر المخاطب بأن هذا أقسم، أقسم وهو يعلم أن وراءه الموت، ومعلوم أن الإنسان الذي يقسم وهو يعلم أن وراءه الموت سيكون إقسامه عن حق؛ لأنه يخشى من بيده أن يهلكه عاجلًا غير آجل، "لأقضين بينكما بكتاب الله" جملة "لأقضين" هي جواب