يعقل فلو أن شخصًا مجنونًا حدث بإقرار أو إنشاء أو طلاق أو فسخ أو غير ذلك فإنه لا يقع منه شيء، لو قال: طلقت نسائي، أعتقت عبيدي، أوقفت بيوتي، لا يقع منه شيء؛ لأنه مجنون وسواء كان الجنون دائمًا أو كان أحيانًا كالذي يصرع فإنه في حال جنونه لا يترتب على قوله شيء، ولكن الفعل هل يترتب عليه شيء؟ نقول: لا يترتب عليه شيء إلا ما يعلق بالخلق، ولاحظوا هذه- في الخلق- فإنه يترتب عليه أثره سواء في الصغير أو في المجنون أو في النائم فلو أتلف الصغير شيئًا لزمه ضمانه ولو أتلف المجنون شيئًا لزمه الضمان ولو أتلف النائم شيئًا لزمه ضمانه لكن هذا فيما بينه وبين الله؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة فإذا قال قائل: ما هي العلة في عدم وقوع الطلاق من هؤلاء؟ العلة عدم العقل وعدم الاختيار، عدم العقل في المجنون والنائم وعدم الاختيار الصحيح في الصغير، وبناء على ذلك نأخذ من هذا قاعدة أن كل شخص يقع الطلاق منه بغير اختيار حقيقي فليس عليه طلاق ويدخل في هذا أشياء: الأول: الغضب الشديد الذي يغلق على صاحبه لا يقع فيه الطلاق وقد قسم العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام: أول وأخر وأوسط يعني: مبتدأ وغاية ووسط؛ فالغاية هي ألا يدي الإنسان ما يقول إطلاقًا ولا يدري هل هو في الأرض أو في السماء شبه المغمى عليه فهذا لا يقع طلاقه بالاتفاق وهو يقع من بعض الناس الذين يطلق عليهم اسم عصبي يجن هذا إذا طلق زوجته لا يقع الطلاق بالاتفاق، الثاني: ابتدائي غضب عادي فهذا يقع طلاقه بالاتفاق ولا إشكال في هذا، الثالث: الوسط يعي لما يقول لكن لشدة الغضب يجد نفسه قد أجبر على هذا كالمجبر من شدة الغضب يعني يدري ما يقول لكن لا يملك نفسه ففي هذا خلاف هل يقع أو لا يقع والصحيح أنه لا يقع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق في إغلاق" ولأن الأصل بقاء النكاح- هذا تعليل- فلا يزول إلا بإرادة الزوال وهذا لم يرد ولذلك تجده يندم من حين يقع الطلاق تعود عليه طبيعته ثم يندم نقول: هذا لا طلاق عليه على القول الراجح ولابن القيم كتاب جيد في هذا الموضوع سماه: "إغاثة اللهفان في عدم وقوع طلاق الغضبان"، غير "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، ومن هذا أيضًا: إذا كان الإنسان موسوسًا في الطلاق فإنه لا يقع طلاقه، وهذا يحدث كثيرًا بين الناس يتسلط عليه الشيطان ويرى أنه قد طلق ويضيق عليه حتى يقول أطلق