لذلك أيضا حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وسلم) فلم يُردها، فقال بعض القوم: إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): يسأله هل عنده صداق؟ قال: إزاري وليس له رداء، قال: إزارك إن أعطيتها إياه بقيت لا إزار لك، وإن استمتعت به لم يكن لها فائدة منك، إذن لا يصلح، فقال: «التمس»، فذهب الرجل يلتمس ما وجد ولا خاتم من حديد، قال: «معك شيء من القرآن؟ » قال: نعم كذا وكذا، قال: «مَلَّكْتكَها بما معك من القرآن»، ولم يقال له (صلى الله عليه وسلم): استقرض أو استدن، فدل هذا على أنه لا ينبغي لمن ليس عنده مؤنة النكاح أن يستقرض.
لو قال قائل: ما هي الحكمة في أنه لا يستقرض، أليس هذا من مصالح الإنسان؟
نقول: بلى، ولكن الاستقراض ذل يكسب الإنسان ذلاً وانكسارًا، لا سيما إذا رأى من
أقرضه فإنه يراه ويتصور أنه عبدٌ له، لذلك لم يُرشد النبي (صلى الله عليه وسلم) من لم يجد أن يستقرض.
ومن فوائد الحديث: تحريم الاستمناء الذي يسمونه العادة السرية، وجهه: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يُرشد إليه عند عدم القدرة على الباءة، ولو كانّ جائزاً لأرشد إليه؛ لأنه أهون من الصوم بلا شك، ولأن الإنسان يجد فيه متعة، والصوم لا يجد فيه إلا ألم الجوع والعطش بخلاف هذا الفعل، وإذا كان من عادة النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه لم يخيّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمّا كان في ذلك دليل على أن الاستمناء في إثم لأنه أيسر الأمرين من الصوم أو الاستمناء، فلما لم يختره علم أنه إثم.
925 - وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه): «أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) حَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ, وَقَالَ: لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ, وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ, وَأَتَزَوَّجُ اَلنِّسَاءَ, فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه.
هذا الحديث له سبب وهو أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) لشدة رغبتهم في الخير جاءوا إلى أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) يسألونهن عن عمله في السر، يعني: في بيته، فأخبروا بذلك فكأنهم تقالوا هذا العمل، وقالوا: إن النيي (صلى الله عليه وسلم) قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، ولكننا نحن لسنا كذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا