أنه قال: أي قرَّبة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك، لكن مسألة الحي في النفس منها شيء لأننا لو أجزنا ذلك بالنسبة للأحياء لاتكل الأحياء بعضهم على بعض، فالذي يظهر أن الأحياء يُقال اعملوا أنتم.
مسألة مهمة: هل في هذا الحديث دليل على مشروعية عمل الإنسان عملاً يجعله لغيره أو على جواز أن يعمل الإنسان عملاً يجعله لغيره؟ الثاني، يعنى: أننا لا تندب الإنسان إلى أن يعمل عملاً يجعله لغير، لكن لو فعل فإننا لا نُنكر عليه، ولا نقول هذا بدعة؛ لأنه لولا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أجاز ذلك لكان العمل بدعة؛ فلما أجازه عُلِمَ أنه جائز وأنه لا ينكر على مَنْ فعله، ولكن هل يندب لكل إنسان أن يفعله؟ بمعنى هل نقول للناس: يُسنّ لكم أن تعملوا أعمالاً من الصدقات أو الحج أو غيرها للأموات؟ الجواب: السُّنة لا تدل على هذا، ولم يأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أمته أن يفعلوا ذلك، لكن أجاز لأمته أن يفعلوا هذا وفرق بين الإقرار على الجواز وبين الإقرار على الندب والطلب من الناس أن يفعلوا ذلك.
فإذا قال قائل: هذا شيء غريب أن تجعلوا عبادة أقرَّها الشارع أمرًا مباحًا؟ فالجواب: أنه لا غرابة لأننا لم نجعل العبادة أمرًا مباحًا لكننا جعلنا إهداء العبادة أمرًا مباحًا، وفرق بين هذا وهذا، ويدل لذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أقر عائشة (رضي الله عنها) حين أُحرمت بالعمرة ثم أتاها الحيض ولم تتمكن من إتمامها وأمرها أن تُدخل الحج على العمرة وتكون قارنه، وقال لها: «طوافك بالبيت والصفا وبالمروة يسعك لحجك وعُمرتك» أقرها على أي شيء؟ على أن تأتي بعمرة بعد انتهاء الحج؛ لأنها طلبت منه أن تأتي بعُمرة وألحت عليه، وقالت: يا رسول الله! يذهب الناس بعمرة وحج وأذهب بحجِّ؟ فأمر أخاها أن يخرج بها إلى التنعيم وتُحرم، ولكن هل أرشد أخاها وقد ذهب معها إلى أن يحرم؟ أبدًا، ولو كان هذا مشروعا ما فوَّت النبي (صلى الله عليه وسلم) أخاها أن يفعله، ثم نقول: هل هو مشروع لمن حصل له مثل حال عائشة؛ لأن من لم يحصل له مثل حال عائشة لا شك أنه ليس بمشروع في حقه أن يأتي بعمرة بعد الحج، ولكن هل هو مشروع لامرأة حصل لها مثل ما يحصل لعائشة أو لرجل أحرم بعمرة بناء على سعة الوقت ثم ضاق الوقت ولم يتمكن من أداء العمرة فأدخل الحج عليها وذهب إلى مشاعر الحج، هل نندب له إذا انتهى من الحج أن يأتي بعمرة لكن من لم تطب نفسه إلا أن يأتي بعمرة؟ نقول له: لا بأس أن تأتي بعمرة، لا نبدِّعك ولا نمنعك.
ثانيًا: خرج رجل في سرية وكان إمامًا لأصحابه فجعل يُصلي بهم ويقرأ ويختم بقل هو الله أحد، فلما قدموا على النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبروه فقال: «سلوه لأي شيء كان يفعل ذلك؟ » فسألوه