الله على عباده في الحج شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: «نعم». وهذا في حجة الوداع من آخر الأحكام الشرعية، والحج عبادة بدنية محضة في الأصل، والمال ليس شرطًا فيها ولا ركنًا فيها، قد يحج الإنسان على رجليه من الصين وأنا عهدت أناسًا يأتوننا من أفغانستان ومن غيرها، يأتون على أقدامهم إلى مكة ستة أشهر ذهابًا، وستة أشهر رجوعًا، هذا معلوم، إنها أعمال بدنية المهم أن الحج إن شئتم قولوا: مُركبةً، وإن شئتم قولوا: بدنية محضة، وأهل مكة أيضًا يحجون حجا بدنيًا محضًا يحمل متاعه على ظهره ويمشي.
على كل حال: الحج عبادة بدنية، وجاءت السَّنة بالنيابة فيها وانتفاع الغير بها، فإذا قلت: هذه بنت تحج عن أبيها، وهي بضعة منه، قلنا: ماذا تقول في حديث ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سمع رجلاً يقول: «لبيك عن شُبرمَة، قال: مَنْ شُبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: «أحججت عن نفسك؟ » قال: لا. قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة».
فهنا يقول: أخ أو قريب والأخ أو القريب ليس بضعة منه فأجاز الحج عنه، وقد ذكر صاحب الفتوحات الإلهية على تفسير الجلالين - وهو ما يُعرف بحاشية الجمل- ذكر على الآية التي أشرت إليها أولاً: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، ذُكِرَ عن شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر من عشرين وجها كلها تدل على أن الإنسان ينتفع بعمل غيره وهذا من الغرائب؛ لأني طلبت هذا الكلام الذي نسبه لشيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى وغيره مما يُنسب للشيخ ما وجدته، لكن لعل هذه فتوى وقعت عند الجمل فكتبها على هذه الآية؛ لذلك نقول: إن القول الراجح عندنا هو أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحا بنية أنه لفلان فإنه يقع لفلان سواء كان ماليا أو بدنيًا أو مركبًا منهما، ولكن إذا كان قد عمل العمل أولاً ثم قال: اللهُمَّ ما كتبت من ثواب لي على هذا العمل فاجعله لفلان، فهل ينفع؟ هو بالنية الأولى ناويه لنفسه، ثم بعد ذلك قال: اجعله لفلان، فالظاهر أنه لا ينفع، لأنه بعد أن كتب لك لا تملك هبته الذي كتب لك الآن هو الثواب فلا تملك هبته، وقال بعض الفقهاء: إنه يملك أن يهبه، وأنه لو قال بعد فراغه من العمل: اللهُمْ ما كتبت من ثواب فاجعله لفلان فإن ذلك جائز، ولكن الذي يترجح عندي الأول، أنه لابد أن ينوي من الأصل أنه لفلان، فإذا نوى أنه لفلان نفع، ولهذا ذكر الفقهاء عن الإمام أحمد (رحمه الله)