إلى أن يرضيا صار الأجل مجهولاً، وإن جعلنا الخيار إلى مدة التفرق أعطيناهما بعض الحرية بدون جهالة وبدون ضرر.
ومن فوائد الحديث: جواز قطع هذا الخيار منهما أو من أحدهما لقوله: "أو يخير أحدهما الآخر"، أما من أحدهما فواضح لقوله "أو يخبر أحدهما الآخر"، وأما منهما، فلأنه إذا جاز في حق أحدهما جاز في حق الآخر؛ لأن الحق لهما، فإذا أسقطاه وتبايعا على أن لا خيار بينهما بأن قال: بعتك هذا البيت بمائة ألف درهم على أن لا خيار لواحد منا، هذا بيع على أن لا خيار، أو يقول: بعتك بيتي بمائة ألف درهم ثم في أثناء المجلس قالا: لنتفق على قطع الخيار، فإذا اتفقا انقطع الخيار، وإن أيي أحدهما وقطعة الآخر فالحق له القول: "أو يخير أحدهما الآخر".
ومن فوائد الحديث: جواز مد الخيار إلى ما بعد التفرق، يؤخذ من الاحتمال الثاني في قوله: "أو يخير أحدهما الآخر"؛ لأنه صالح للأمرين:
فإن قلت: كيف صالحاً لأمرين متضادين: الأول في قطع الخيار، والثاني في مدة؟
قلنا: لأن النصوص العامة تدل على جواز الشروط بين المتعاقدين ما لم تخالف الشرع، وهنا لا مخالفة للشرع.
ومن فوائد الحديث: أن الحق الخاص لآدمي يجوز له إسقاطه لقوله: "أو يخير أحدهما الآخر"، فإن كان الحق حقاً محضاً للآدمي فله أن يسقطه؛ لأنه لا أحد يطالبه في إثباته.
ومن فوائد الحديث: أن البيع من العقود اللازمة لقوله: "فقد وجب البيع"، وكونه من العقود اللازمة هو الموافق لمصالح العباد؛ لأنه لو كان البيع من العقود الجائزة ما تمكن أحد أن يتصرف فيما انتقل إليه من العوض على وجه تطمئن إليه نفسه؛ لأنه يخشى في كل لحظة أن يقول الآخر: قد فسخت البيع، فلهذا كان من المصلحة لعباد الله أن يكون عقد البيع من العقود اللازمة لكل من الطرفين.
ومن فوائد الحديث: جواز إسقاط الإنسان ما هو حق له وإن لم يرض الآخر لقوله: "ولم يترك واحد منهما البيع"، فإذا قال البائع مثلاً للمشتري لما قال اخترت فسخ العقد قال: لا يمكن؛ لأن هذا يضر بالسلعة ويهدم مستقبلها، فجوابه أن يقول له: هذا حق جعله الشارع لي ولا يمكن أن تمنعني إياه، ولكن يجب أن نعلم أنه متى قصد المختار إضرار صاحبه كان ذلك حراماً عليه، وإن كنا نحكم له بظاهر الحال، لكنه حرام عليه لو أنه سامها ثم سامها حتى انتهى السوم إليه ثم باعه عليه، وكان من نيته أن يفسخ البيع من أجل أن ينزل قيمة السلعة في نفوس الناس فإن ذلك حرام عليه، لأنه إضرار بأخيه، لكن إذا كان فسخ البيع عن رغبة لا عن قصد الإضرار فإن هذا حق له، واعلم أن الناس اختلفوا في هذا الحديث اختلافاً عظيماً، والحقيقة أنه