جانب الحظر"، فالسلامة مبيحة والهلاك حاظر، وقد اجتمع في هذا الفعل ولم يترجح أحدهما فغلّب جانب الحظر، فنقول: لا يجوز أن تغوص.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز بيع ما يستخرجه الإنسان من البحر، يؤخذ من قوله"وعن ضربة الغائص"، لأنها مجهولة، لكن إذا علمت فإن ذلك لا بأس به، فإن الإنسان يملك ما يستخرجه من البحر كما يملك من في البرّ، ما يحشه من البر ومثل ذلك ما لو قال قائل أنا سأذهب ألقط لك الكمأة ولك ما أجنيه من الآن إلى الظهر، هذا يقوله في الصباح أو في الظهر، يقول من الظهر إلى الغروب؟ لا، لماذا؟ لأنه غرر قد يجني كثيرًا وقد يجني قليلاً، لو استأجرت شخصًا يجني الكمأة من الظهر إلى الغروب يجوز؛ لأن العقد هنا وقع على المنفعة لا على التحصيل.
ويستفاد من هذا الحديث ككل: عناية الشرع بحماية البشر مما يوجب النزاع بينهم؛ لأن هذه الأنواع التي فيها الغرر سوف يكون من المغبون فيها حقد وعداوة وبغضاء على من؟ على الغابن، وتكون من الغابن تطاول، وفخر على المغبون، فالشارع حمى الناس من هذه الورطة التي يتورطون فيها.
ومن فوائده أيضًا: أنه يجب البعد عن كل ما يوجب العداوة والبغضاء، دل ذلك على أن كل ما ساواها في هذا المعنى فهو مثلها منهي عنه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا" يعني: لا تفعلوا الأشياء التي توجب البغضاء، وأخبر أن البغضاء مما يريده الشيطان في بني آدم: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضآء في الخمر والميسر} [المائدة: 91].
ومن فوائد الحديث: أنه إذا نهي عن الأسباب التي توجب العداوة والبغضاء فإن المعنى يقتضي الأمر بالأسباب التي توجب الولاية والمحبة؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده، ولاشك في هذا أن الشرع يأمر بكل ما يوجب المودة والمحبة والولاية- ولاية المؤمنين بعضهم لبعض- فإن الله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليآء بعضٍ} [التوبة: 71]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ ".
فكل ما يوجب الولاية والمحبة فإنه مأمور به شرعًا، فإن كان مأمورًا به شرعًا فإن العاقل سوف يفعله مع ما في المحبة والولاية من الإلفة والطمأنينة، وصلاح الأحوال، وانشراح الصدر. أنت الآن لو فردت نفسك لا تلاقي شخصًا إلا وفي قلبك عداوة وبغضاء له، هل تكون مسرورًا؟