ومن فوائد الحديث: حرص الشرع على حماية العقول والأبدان والأخلاق والأديان والأموال، وكما قال بعض الإخوان: الفرد والمجتمع لأن هذه الأشياء حرام حتى وإن لم يكن في المكان إلا رجل واحد فهي حرام.

وظاهر الحديث: أن الخمر بيعه حرام مطلقًا، فهل يستثنى من ذلك شيء؟ لا يستثنى من ذلك شيء حتى وإن كان بيع خمر من مسلم لكافر فإنه لا يجوز من كافر لمسلم من باب أولى، أمَّا من كافر لكافر فيصح بناء على ما يعتقدونه، ولهذا لما ذكر لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يأخذون الخراج من الخمر ثم يبيعونه عليهم نهاهم عن ذلك وقال: "ولُّوهم بيعها وخذوا أثمانها"، يعني: اجعلوهم هم يبيعونها وهذا يدل على أن بيعها صحيح، ولولا ذلك ما صحَّ أن نأخذ ثمنه؛ لأن ثمن ما كان بيعه محرمًا محرم وفيه - أي: في قول عمر - فائدة عظيمة وهي أن من عامل بمعاملة يعتقد حلها وأنت تعتقد تحريمها فإن ما تأخذه منه حلال وجائز، لو اشترى شيئًا تعتقد أن هذا الشراء حرام وأن الملك لم ينتقل به يجوز أن تشتري منه أنت، لماذا؟ لأنه يعتقد حلَّه، وهكذا كل الأشياء الخلافية إذا وقعت ممن يعتقد حلها وليس هناك نص في التحريم بحيث لا يسوغ له أن يجتهد، فإن كل إنسان يعامل بما يقتضيه رأيه مثلًا لو وجدنا واحدًا يشرب الدخان وهو يعتقد حل شرب الدخان فلا يسوغ لي أن أنكر عليه ما دام يعتقد أنه حلال، لو رأيت رجلًا أكل لحم إبل وملأ بطنه ثم قام يصلي بلا وضوء وهو يعتقد أنه لا يجب الوضوء من لحم الإبل فلا أنكر عليه، والصلاة بغير وضوء أعظم من شرب الدخان، حتى إن أبا حنيفة رحمه الله في مذهبه أنَّ من صلى محدثًا فهو كافر؛ لأنه مستهزئ بآيات الله، ومع ذلك إذا كان هو يرى أنه لا ينقض الوضوء فلا ننكر عليه، وأثر عمر هذا رضي الله عنه هو الأصل في هذا، فلو أكلت لحمًا أنا ورجل من الشافعية وهم يرون أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء وقمنا للصلاة فتوضأت وهو لم يتوضأ هل أقول له: يا أخي، اتق الله هذا حرام، وأنكر عليه؟ لا، ما رأيكم فيمن يصلي بغير وضوء فهذا ينكر عليه، لماذا لا أنكر على هذا؟ لأنه يعتقد أنه على وضوء وأنه ليس حرامًا عليه أن يصلي، نفس الأشياء الأخرى الشيء الذي فيه الخلاف وليس فيه نص يمنع الإنسان من الاجتهاد فيما يذهب إليه لا ينكر عليه، لأنه يقول: أنت تعتقد أنه حرام، وأنا لا أعتقد أنه حرام، فقولك ليس حجة علي وقولي ليس حجة عليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015