قولان لأهل العلم: قول لا يحل هذا العمل طلي السفن والاستصباح ودهن الجلود، وقيل: بل البيع وه والصواب، بل إن السياق يعينه.

ثم قال: "هو حرام"، أي: البيع، لماذا يكون حرامًا؟ لأن الميتة حرام، وجواز بيعها لهذه الأغراض يستلزم تداولها بين الناس والاستهانة بها؛ لأنه - كما يقال - إذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود"، "قاتل" بمعنى: أهلك، وقيل بمعنى: لعن، واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وكون المقاتلة بمعنى: اللعن بعيد من الاشتقاق؛ لأن قاتل مشتقة من قتل وليس فيها شيء من حروف اللعن إلا اللام وليس بينهما اشتقاق لا أكبر ولا أصغر ولا أوسط، ولكن نقول: إن معنى "قاتل": أهلك؛ لأن من قتله الله فهو هالك قطعًا فيكون الدعاء بالمقاتلة، أي: قتال الله لهؤلاء معناه الدعاء بالهلاك وهذا هو المناسب لمادة هذه الكلمة، وإن كان كثير من المفسرين يفسرون القتل باللعن كقوله تعالى: {قتل الخراصون} [الذاريات: 10] أي: لعنوا، لكن الأظهر أن المراد بالمقاتلة: الإهلاك؛ لأن تفسير الشيء بما يطابق مادته أولى من تفسيره بأمر بعيد.

ثم قال: "قاتل الله اليهود" وهم الذين يدَّعون أنهم يتبعون موسى - عليه الصلاة والسلام -وهم من بني إسرائيل، ولكن لماذا وصفوا أو لقِّبوا بهذا اللقب؟ قيل" إنه نسبة إلى أبيهم جدهم يهوذا أحد أبناء يعقوب عليه السلام وأنه مع التعريب تحول إلى يهود بالدال، وقيل: إنه من "هاد يهود" لقولهم: {إنا هدنا إليك} [الأعراف: 156]. أي: رجعنا، وعلى كل حال: سواء هذا أو هذا فإن اليهود معروفون بالمكر والخداع، كما فعلوا في الحيتان حين حرم عليهم صيد السمك في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجل وصارت الحيتان تأتي يوم السبت على ظاهر الماء شرَّعًا وفي غير السبت لا تأتيهم فتحيَّلوا ووضعوا شبكًا في يوم الجمعة فيأتي الحيتان يوم السبت ويدخل في الشبك ثم إذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها وقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فعاقبهم الله تعالى عقوبة تناسب ذنبهم قلبهم الله قردة؛ لأن القردة أقرب ما يكون إلى الإنسان كما أن عملهم هذا قريب من الصحة، يعني: ظاهره أنه ليس فيه صيد، وهذا القرد قريب من الإنسان فهو في صورة إنسان لكن معناه حيوان.

إذن المهم: اليهود لما حرم الله عليهم شحومها، وفي لفظ الشحوم، والشحوم أعم؛ لأنه يشمل شحوم الميتة وغير شحوم الميتة، ومن المعلوم أن الله عز وجل حرم عليهم الشحوم: {وعلى الذين هادوا حرَّمنا كلَّ ذي ظفر ومن البقر والغنم حرَّمنا عليهم شحومها} [الأنعام: 146].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015