أرأيت هذا هل يحل؟ وهو لم يتحدث عن تحريم المنافع إطلاقًا، إنما كان يتحدث عن البيع، لكن لما رأوا هذه المنافع ظنوا أن هذه المنافع تقتضي حل بيعها كما أن المنافع في الإذخر اقتضت حل حشَّه في الحرم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحش حشيشها" قال العباس: "إلا الإذخر ... إلخ"، فظنوا - رضي الله عنهم - أن هذه المنافع تقتضي حل البيع كما اقتضت المنافع في الإذخر حل حشه، وكما نعلم الآن كل هذه الأحاديث ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة، وهذا الحديث ذكره في أيام الفتح، فالصحابة كأنهم استذكروا ما رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من جواز حش الإذخر من أجل منافعه فظنوا أن هذه المنافع تقتضي حل البيع، وأن هذا يكون مخصّصًا لعموم تحريم الميتة، هذا هو الصواب المتعين في الحديث أن المسئول عنه ليست هذه المنافع وإنما هو بيعها الذي تقتضي هذه المنافع حلَّه.

وقول: "شحوم" جمع شحم، قال بعضهم: الشحم هو اللحم الأبيض، وقال بعضهم: الشحم معروف أيهما أصرح؟ الثاني أصرح؛ لأنك إذا قلت: الشحم هو اللحم الأبيض؛ ذهب السامع يبحث ما هو اللحم الأبيض؟

وعلى كل حال: يقال الشحم معروف، أما الميتة فهي الميتة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن الله حرم بيع الميتة".

ثم علل فقال: "فإنها - أي: الشحوم - تطلى بها السفن"، أي: المراكب البحرية تدهن بالشحم، لماذا؟ من أجل ألا يتشرب الخشب الماء؛ لأن الخشب إذا تشرب الماء ثقل وغرقت السفينة، وإذا كان على جدران السفينة هذا الطلاء من الشحم منع تشرُّب الخشب للماء فتبقى السفينة محمية بهذا الطلاء من أن تتشرب الماء.

قال: "وتدهن بها الجلود"، أي جلود؟ الجلود التي تدبغ؛ لأن الدهن يلينها.

قال: "ويستصبح بها الناس" "يستصبح" يعني: يجعلونها مصابيح، أي: سرجًا، يضعون في الشحم إذا ذوبوه خرقة ثم يشبونه في رأسهم ثم تأخذ بالإضاءة ما دام هذا الشحم أو الدهن باقيًا، وهذا نسمع الناس يتحدثون عنه وإن كنا ما أدركناه لكن على عهد قريب والناس يستعملونه، حتى إنه في بعض الوصايا عندنا أوصى بأن يوقد سراج المسجد ولو وصل الصاع - صاع الودك - ريالًا وكان في ذلك الوقت الريال عندهم أكثر من ألف ريال، على كل حال: هذا الاستصباح يوضع الشحم المذوب في إناء ويوضع فيه فتيلة وتوقد النار في رأسها وتكون مصباحًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا" يعني: لا يحل؛ لأن السؤال عن الحل، وما الذي لا يحل؟ قلنا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015