وليس تغطية العقل على وجه الخمور والغيبوبة، بل على وجه اللذة والطرب هذا السَّكر، فالإسكار لا يجعل الإنسان في غيبة لكن يجعله في نشوة وفرح كأنما يريد أن يطير لكنه لا ينضبط من شدة الفرح، وتعلمون أن الإنسان من شدة الفرح ربما يتكلم بكلام لا يمكن أن يتكلم به في حال ركود الذهن، فها هو الرجل قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح، الخمر - والعياذ بالله - يغطي العقل حتى يجعل الإنسان يشعر بأنه ملك وشجاع وربما شعر بأنه ملك فوق البشر ولهذا تجده يتكلم بكلام يتخبط فيه، مرّ بحمزة بن عبد المطلب ناضحان لعلي بن أبي طالب، أي: بعيران ينضح بهما الماء، وكان عنده جارية تغنيه فغنته وأغرته بالإبل، فقام وأخذ السيف فجب أسنمتهما وبقر بطونهما وأكل من كبدهما، كل هذا فعله وهو سكران لا يدري ماذا يفعل، لكن هيجته حتى قام وفعل هذا الفعل، فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول صلى الله عليه وسلم يشكو عمه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه فلما أقبل عليه وجده ثمل - سكران - إلى الآن فكلمه فقال له حمزة: وهل أنتم إلا عبيد أبي يعني: جعل المسألة تحدث نفسه حتى أبوه صار الآن سيدًا للرسول صلى الله عليه وسلم، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رأى الرجل لم يصح بعد، وهذا كان قبل أن تحرم الخمر؛ لأن حمزة استشهد في أحد في السَّنة الثالثة، والخمر حرمت في السَّنة السادسة.
المهم: أن الخمر يصل بصاحبه إلى هذا الحد وله أحكام كثيرة مذكورة في الفقه لا نطيل بذكرها، لكن لأجل مضرته العقلية والاجتماعية حرّمه الشارع، فبيعه حرام لا يستثنى منه شيء حتى في حال إباحة الخمر لا يستثنى منه شيء، لكن يباح شرب الخمر لدفع لقمة غص بها ولا حضره غيره، نقول: يجب عليك أن تشرب هذه لدفع الغصة، مثال آخر: بدأت النار تحرق بيتك وليس حوله إلا صفيحة من الخمر وذهب لصاحبه فقال: أعطني إياها فقال: لا إلا بمائة ريال، فهو لا يجوز، لكن هنا يدفع المحتاج الدراهم لطلبها لا على أن بيع لكن لأجل أن ينقذ نفسه من الحريق.
وعلى كل حال: الخمر لا تجوز حتى في حال إباحتها استعمالًا أو شربًا لا يجوز، لماذا؟ لأن إباحتها على وجه نادر، والعبرة بالأكثر.
"الميتة" يقول: حرم الرسول بيع الميتة، ما هي الميتة أولًا؟ نقول: كل ما لم يمت بذكاة شرعية هذا الضابط لا يتحرم، فشمل ما مات بغير ذكاة، وشمل ما مات بذكاة غير شرعية، إما لعدم أهلية المذكي أو لخلل في الذكاة، وشمل ما لا تبيحه الذكاة كميتة الحمار، فشمل كم