السلعة من أحسن ما يكون وهي ما أردأ ما يكون، أو على كتم العيب بأن تكون معيبة ويخفى عيبها فهذا ليس بيعًا مبرورًا، وسمي الأول مبرورًا لاشتماله على البر، والله - سبحانه وتعالى - يحب البّر، بل قد قال: {وتعاونوا على البرّ والتَّقوى} [المائدة: 2].
في هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: حرص الصحابة -رضي الله عنهم -على السؤال عن أفضل الأعمال لقوله: "سئل أي الكسب أطيب؟ "، والصحابة -رضي الله عنهم -إذا سألوا عن الكمال لا يريدون مجرد العلم بالكمال لكنهم يطبقون ويعملون، ليسوا كحال أكثر الناس اليوم حيث إن أحدهم يسأل عن الكمال وعن الأفضل ثم لا يعمل به! لم يكن حال الصحابة هكذا إنما هم لا يسألون إلا من أجل أن يعلموا، وهذه صفة المؤمن، وهؤلاء هم المؤمنون الذين إذا علموا الحق عملوا به، أما أن يعلموه ويجعلوه في صدورهم كنسخ من الكتب لا تتجاوز الصدور فهذا ليس من خصال المؤمنين وليس من صفاتهم، صفة المؤمن أنه متحرك عامل لا يتأخر، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة ماذا فعلن؟ صارت المرأة تأخذ قرطها من أذنها وخاتمها من أصبعها وتلقيه في ثوب بلال بدون تأخر وبدون تردد وبدون مشاورة أحد، فهكذا ينبغي للمسلم بل يجب على المؤمن أن يكون هكذا كلما علم شيئًا أفل عمل به ما استطاع، إذن الصحابة - رضي الله عنهم - يسألون عن الأفضل لا من أجل أن يعلموا الأفضل، ولكن من أجل أن يعلموا ويعلموا به.
ومن فوائد الحديث: أن المكاسب تختلف فمنها الطيب والخبيث والأطيب دليله: "أي الكسب أطيب؟ " فأقرهم على التفاضل.
ومن فوائده أيضًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، وهذا مما اختصه الله به، فإنه أعطي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارًا، من أين يؤخذ؟ من هاتين الكلمتين: "عمل الرجل بيده"، تشمل أشياء كثيرة ليس لها حصر، وقد ذكرنا منها شيئًا قليلًا: احتشاش، احتطاب، اصطياد، حراثة وأشياء كثيرة.
"كل بيع مبرور"، كذلك هذا يعتبر ضابطًا يدخل فيه أنواع كثيرة من البيع إذا اشتملت على الأوصاف الثلاثة وهي: موافقة الشرع، والصدق، والبيان، فإن انضاف إلى هذا مصالح أخرى