صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر قال: "الطهور ماءه الحل ميتته" ()، مع أنه ما سئل عن الميتة، لكن لما كان راكب البحر قد يحتاج للحيتان ويجدها ميتة أخبره النبي أو زاده أمرًا لم يسأل عنه وهو حلّ ميتة البحر.
* هذا الحديث يستفاد منه فوائد:
أولًا: أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عمن لقيه إذا كان يخاف أن يكونوا أعداء لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم من القوم؟
ثانيًا: أنه ينبغي للإنسان أن يكون يقظا يأخذ حذره لا يحسن الظن بكل أحد؛ لأنه ليس كل أحد على ما يظهر من حاله، فأنت احذر؛ ولهذا يقال: "احترسوا من الناس بسوء الظن" ()، وليس هذا على إطلاقه، بل إذا دلت القرينة على أنه محل سوء الظن فاحترس منه، أما إذا علمت سريرته وظاهره فلا ينبغي أن تسيء الظن بأحد.
الثالث: فيه دليل على أن الإنسان يجيب بحسب ما يظنه من مراد السائل لا بحسب ما يتبادر من لفظه؛ لأن هؤلاء الذين سئلوا قالوا: "المسلمون"، وكان من المتوقع أن يقولوا مثلًا: نحن من تميم، نحن من خزاعة .... إلخ، هذا هو المتبادر؛ لأن القوم هم حاشية الناس وأقاربهم، ولكنهم قالوا: نحن المسلمون؛ لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يعرف أنسابهم وإنما أديانهم، ليطمئن إليهم.
وفيه أيضًا دليل: على أنه لو سالك سائل عن نفسك فاسأله أنت لكن هل الأولى أن تجيبه أو أن تسأله قبل إجابته؟ ينظر في الموضوع، أن خفت أن هذا الرجل يسألك ثم يعلم من أنت ثم لا يعطيك الخبر عن نفسه فالأولى أن تسأله أولا أو تحاول أن تأتي بتورية، إذا قال: من أنت؟ أقول: من بني آدم، إذا قال: من أنت؟ أقول: أنا عبد الله، إذا قال: من أبوك؟ عبد الرحمن، إذا قال: ما قبيلتك؟ أقول: عبيد الله، لأنه أحيانًا بعض الناس يسألك ولا يمكنك أن يعلمك بنفسه، فيأخذ ما عندك ولا يعطى ما عنده.
ومن فوائد الحديث: حرص الصحابة على السؤال، لأنهم لما علموا أنه النبي صلى الله عليه وسلم بادروا بالسؤال عما يجهلون من أحكام دينهم.
وفيه دليل: على أن صوت المرأة ليس بعورة؛ لأنها رفعت صوتها والناس يسمعون من جملتهم ابن عباس، ومعلوم أن صوت المرأة ليس بعورة، ولكن إن خيف الفتنة في التخاطب