وهذا الحديث - يقول المؤلف -: الراجح إرساله، فهو ضعيف، وهو كذلك، فمن حيات المعنى ضعيف، كما هو من حيث السند ضعيف؛ وذلك لأن الحاج قد يستطيع الحج بلا زاد ولا راجلة، فإذا كان قريبا يكون مستأجرًا فيركب البعير، أي: البعير الذي أجره كما يفعل الناس في السابق يستأجرون معهم أناسا للطبخ والشد والتنزيل وما أشبه ذلك.
على كل حال: المراد بالسبيل في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا}: الطريق الذي يوصلك إلى مكة، سواء كان زادا أو راحلة أو مشيا على الأقدام، فهذا هو الصحيح، وقد مر علينا أن الله. تعالى اشترط الاستطاعة مع أنه مشروط في كل عبادة كما قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16]. وأشرنا إلى السبب في ذلك، وهو أنه غالبًا تكون فيه مشقة؛ فلهذا اشترطت الاستطاعة بعينه، يعني: أكد فيه شرط الاستطاعة؛ لأن الغالب فيه المشقة، وسبق لنا أن من شروط الحج: البلوغ، والثاني: العقل، والثالث: الإسلام، والرابع: الحرية، والخامس: القدرة، وجمعت في بيتين سبق ذكرهما.
من فوائد الحديث - إن صح -: تفسير الكلمات بالمثال، فإن قوله: {من استطاع إليه سبيلا} لا يعني: الزّاد والرّاحلة، بل الزاد والراحلة مثال من أمثلة الاستطاعة، وليست هي الاستطاعة في كل وقت، قد يجد الإنسان زادًا وراحلة، ولا يستطيع ذلك في بدنه، كالكبير والمريض مرضًا ميئوسًا منه ونحوه.
680 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالرَّوحاء فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا من أنت؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعت إليه امرأةٌ صبيًّا. فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم ولك أجرٌ" (). رواه مسلم.
"الرَّوحاء": اسم محل بين مكة والمدينة، والرّكب: اسم جمع راكب وأقله ثلاثة، قوله: "من القوم؟ " ليتبين أمرهم خوفًا أن يكونوا من العدو، فقالوا: "المسلمون"، يعني: نحن مسلمون، ولم يقولوا: نحن بنو فلان ... إلخ؛ لأن المقصود الاستفهام عن دينهم حتى لا يكونوا أعداء، فقالوا: من أنت؟ أي: الذي سألتنا عن أصلنا أو عن أنفسنا، فقال: "رسول الله" اللهم صلِّ وسلم عليه، فلما قال: "رسول الله"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم لأمته رفعت إليه امرأة صبيًّا، "فقالت: ألهذا حج؟ " قال: "نعم ولك أجر"، قال: "نعم"، وما التقدير؟ له حج، "لك أجر"، لم يأت السؤال عنها، لكن كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيب بأكثر مما سئل إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فقوله