كيف نجمع بين هذا الحديث في السبع الأواخر وبين الأحاديث الأخرى التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحريها في العشر الأواخر؟ نقول: هي في العشر الأواخر، لكن في السبع أوكد، ثم في أوتاره أوكد، ثم في السابع والعشرين أوكد، وإبهامها فيه فائدتان:
الأولى: هي بعث الهمم على طلبها والنشاط فيها؛ لأن الكسلان قد يقول: أنا لا أقوم عشر ليال من أجل ليلة واحدة فإذا كان نشيطا حريصا على العبادة فإنه سوف يقوم هذه الليالي ويقول: ما أرخصها في حصول هذا الأجر العظيم: {من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه}.
الفائدة الثانية: كثرة العمل الصالح للعباد؛ لأن العمل الصالح في العشر كلها بلا شك أكثر من العمل الصالح في ليلة واحدة، وكثرة العمل توجب كثرة الثواب.
وقول المؤلف في الحديث الثاني: إنه اختلف فيها على أكثر من أربعين قولا الذي في "فتح الباري" ستة وأربعون قولا، ويمكن أن يكون أصل النسخة على أكثر من أربعين قولا كما قال ذلك في ساعة الإجابة يؤم الجمعة، أو أنه هنا يريد أربعين قولا باعتبار أن هناك قولين أو ثلاثة بأنها رفعت ولم تعد عائدة إلى الناس، وأنه بحذف هذه الأقوال تصير الأقوال أربعين، لكن يبقى الإشكال في أننا حتى لو حذفنا قولين أو ثلاثة لم تكن الأقوال الباقية أربعين وحديث معاوية ليس فيه إلا فائدة واحدة وهي أن ليلة القدر أرجى ما تكون في السابع والعشرين.
672 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسول الله، أرأيت أن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعف عنِّي". رواه الخمسة، غير أبي داود، وصحَّحه التِّرمذيُّ، والحاكم.
قولها: "أرأيت؟ "، معناها: أخبرني، وقولها: "ما أقول فيها؟ "، "ما" هنا استفهامية، يعني: أخبرني ماذا أقول أن علمت ليلة القدر، قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"، "اللهم" يعني: يا الله، حذفت ياء النداء وعوض عنها بالميم، وكانت الميم في الآخر تبركًا بالابتداء باسم الله وكانت العوض ميمًا، لأنها تفيد الجمع كأن السائل جمع قلبه على الله وتوجَّه إليه، وقوله: "إنك عفو تحب العفو" هذا توسل إلى الله بهذا الاسم والصفة، الاسم "إنك عفو" والصفة "تحب العفو"، والمطلوب "فاعف عني"، والفاء هنا للتفريع، يعني: فتفريعك على