وقوله: "إذا رأيتموه" يستفاد منه: أنه لا بد من تحقق الرؤية، أما لو شككنا في ذلك فإنه لا يجب الصوم، بل من صام فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن المراد بالرؤية اليقين هنا الرؤية العينية المتيقنة قوله تعالى في البقرة: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185].

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا رآه ولم يره غيره ثبت الحكم في حقه، فإن كان في رمضان، يعني: رأى هلال رمضان وغيره لم يره والحاكم رد شهادته لجهله بحاله مثلًا فانه يصوم، وإن كان في شوال فقيل: إنه لا يفطر؛ لأن الشهر شرعا- أي: شهر شوال شرعًا- لا يدخل إلا بشهادة رجلين، وقيل: بل يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتموه فأفطروا"، وهذا قد رآه، لكن يفطر سرًّا لئلا يجاهر بمخالفة الجماعة، فصار لدينا قولان إذا رأى وحده هلال شوال:

القول الأول: أنه لا يفطر؛ لأن شوال لا يثبت دخوله إلا بشهادة رجلين، واستذلوا أيضًا بحديث: "الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس".

والقول الثاني: أنه يفطر؛ لأنه رآه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، ولكنه يفطر سرًّا لثلا يجاهر بمخالفة الجماعة، وهذا القول أقرب من حيث اللفظ: "إذا رأيتموه"، فإن هذا رآه، أما إذا كان الإنسان منفردًا في مكان وليس حوله أحد يخالفه فإنه يفطر؛ لأنه حينئذٍ لا يتيقن مخالفة الجماعة مثل لو كان بدويًّا في محل في البرّ ليس حوله مدن ولا قرى ورأى هلال شوال فإنه لا يمكن أن نقول له: صم: لأنه ثبت دخول الشهر في حقه، وهو إذا أفطر لا يكون مخالفًا، هكذا قال أهل العلم، ومعلوم أن هذا في وقتهم أمر واقع وكثير، لكن في وقتنا الآن- حيث انتشرت وسائل الإعلام- قد يقال: إنه لا يفطر حتى ينظر من إفطار الناس على القول بأنه لا يفطر إذا أنفرد برؤيته، أما إذا قلنا: إنه يفطر فالأمر واضح.

ظاهر الحديث: "إذا رأيتموه"، يشمل ما إذا رأيناه بالعين المجردة أو بواسطة الآلات، فهو عام، فمثلًا رأيناه سواء بالعين المجردة أو بالمنظار المكبر فإنه تثبت رؤيته، وقد كان الناس قديمًا نعهدهم أنهم يصعدون على المنابر ومعهم الدرابيل، أو على الأصح مكبر النظر أو مقرب النظر، المهم: أنهم كانوا يستعملونه، وإذا رأوه بواسطة هذه المكبرات فإنه يحكم برؤيته، والحديث عام ليس فيه وإذا "رأيتموه بالعين"، ومعلوم أنه حتى ولو كان فيه ذلك لا يمنع أن يكون رآه بواسطة أو مباشرة.

الحديث: "إذا رأيتموه"، فهل المراد: إذا رآه كل واحد؟ لو كان كذلك لكان الذي نظره قاصر لا يجب عليه الصوم ولو رآه الناس؛ لأنه يقول: ما رأيته أنا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد هذا، ولكن إذا رأيتموه الرؤيا التي يثبت بها دخوله شرعًا وهي أن يكون الرائي رجلين فأكثر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطرواه، ويأتي- إن شاء الله- الخلاف فيما إذا رآه واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015