على كل حال: ابن عمر رضي الله عنه من أشد الناس حرصا على العبادة، وكان يلزم نفسه بأشد الأمرين عنده، فلهذا كان يصوم إذا كان هناك غيم أو قتر".
الوجه الثاني: من الترجيح أن حديث عمار بن ياسر صريح في أنه إذا كان غيم أو قتر فإن صومه حرام، وهذه المسألة فيها في مذهب الإمام أحمد سبعة أقوال وهي: الأحكام الخمسة، هذه خمسة أقوال، والقول السادس: أن الناس تبع للإمام إن صام صاموا، وإن أفطر أفطروا، والقول السابع: أن يعمل بعادة غالبة بأن الغالب أنه إذا مضى شهران كاملان فالثالث ناقص فينظر هل رجب وجمادى الثانية كاملان فيكون شعبان ناقصًا، ولكن السُّنة- والحمد لله- واضحة في ذلك.
في هذا الحديث يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا الهلال أن يصوموا إذا كان هلال رمضان، وأن يفطروا إذا كان هلال شوال، ويأمرهم أيضًا إذا لم يتمكنوا من رؤيته أن يكملوا العدة ثلاثين- عدة الشهر السابق- سواء كان رمضان أو شعبان؛ لأجل أن يكونوا على بينة من الأمر حتى لا يقعوا في شك وحيرة، فالأمر-والحمد لله- واضح.
وعليه نقول: إذا رأيت فصم، وإذا غم عليك فلا تصم بل أكمل عدة الشهر ثلاثين، في شوال إذا رأيت فأفطر، إذا غم عليك فأكمل العدة ثلاثين فالأمر- والحمد لله- واضح حتى لا يقع الناس في قلق وشك وحيرة.
ثم نرجع إلى معنى قوله: "اقدروا له"، نقول: إذا غم هلال شوال يجب التكميل، وسيأتي- إن شاء الله تعالى- بيان تناقض هذا القول والصحيح المتعين.
وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة أولًا: قوله: "إذا رأيتموه"، يستفاد منه: أنه لا يجب الصوم قبل رؤيته لقوله: "إذا رأيتموه"، ثم ما المراد بالرؤية؟ هل الرؤية قبل الغروب أو بعد الغروب؟ من المعلوم أن القمر آية ليلية، فيكون المعنى: إذا رأيناه في الليل الذي هو سلطانه كما قال تعالى: {وجعلنا اليل والنهار ءايتين فمحونا ءاية اليل وجعلنا ءاية النهار مبصرة} [الإسراء: 12]. فإذا رؤي بعد الغروب ثبت الحكم، أما إذا رؤي قبل الغروب فقال بعض العلماء: إنه يكون لليلة الماضية، وبعضهم يقول: يكون لليلة المقبلة، ولا شك أن هذا فيه نظر؛ لأنه إذا رؤي قبل الغروب متقدمًا على الشمس فإنه لا يمكن أن يكون لليلة الماضية، وإذا رؤي متأخرًا عن الشمس فإن كان التأخر بعيدًا فإنه يكون لليلة المقبلة، ومع ذلك لا نحكم به، قد يكون عند الغروب هناك غيم أو قتر فلا نراه فنكمل العدة ثلاثين، لكنه في الغالب لا يخفى، المهم: أن الرؤية إذن تكون بعد الغروب؛ لأنه- أي: الليل- هو سلطان القمر.