وكلُّ ما أتى ولم يحدَّد ... بالشَّرع كالحرز فبالعرف احدد

فيحدد بالعرف، ومعلوم عند الناس الآن أن الإنسان إذا تقدم من المسجد إلى اتجاه قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ووقف أمامه وسلّم عليه كلهم يقولون: هذه زيارة، ولهذا يقول المزورون: تعال نزرك؛ إذن فهي زيارة.

وعليه؛ فإني أرى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كغيره، بمعنى: أنه لا يجوز للمرأة أن تزوره، وإن كان فقهاؤنا يرون أن المرأة تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سنة لها كحال الرجل.

واستفدنا من الحديث الأول والثاني: أنه ينبغي لزائر القبور أن يكون على جانب من الخشية والتذكر والتأمل لا يزور المقبرة وكأنما زار حفلًا: يضحك، ويتكلم في أمور الدنيا، ولهذا كره أهل العلم لمتبع الجنازة أن يتكلم بشيء من أمور الدنيا، بل الذي ينبغي أن يكون الإنسان خاشعًا متذكرًا للآخرة، وفي الحديث الصحيح الطويل المشهور حديث البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير، يعني: أنهم قد خفضوا رءوسهم ولا يتحركون في حالة خشوع، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان فعله.

560 - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّائحة، والمستمعة". أخرجه أبو داود.

"لعن النائحة"، من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد لعنه الله، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.

وقوله: "النائحة"، هناك نوح وندب؛ فالندب: رفع الصوت بتعداد محاسن الميت، ويقترن بواو الندبة فتقول: "وا سيداه" وا كذا، وتذكر الأوصاف التي هي محاسن لهذا الميت، وأما النّوح: فإنه البكاء برنّة تشبه نوح الحمام، ونوح الحمام معروف لكم جميعًا، فهذه هي النياحة.

النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة؛ لأن النائحة يدل فعلها على عدم الصبر على قضاء الله وقدره؛ ولأن النائحة تفجع من يسمعها فتزداد المصيبة بذلك؛ ولأن النوح أيضًا يكون أحيانًا سببًا للطم الخدود وشق الجيوب وذر التراب على الرءوس أو التمرغ على الأرض وما أشبه ذلك، فلأجل هذه الأمور الثلاثة لعنت النائحة، لعنها النبي صلى الله عليه وسلم.

أما "المستمعة": فهي التي تجلس عندها لتستمع إليها، وليست المستمعة هي السامعة، كأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015