أو الفتنة بهن، خوف فتنتهن بماذا؟ بأن يخرجن ويلازمن القبور، وأن يحصل منهن عدم صبر ونياحة وندب وما أشبه ذلك، أما الفتنة بهن فربما يكون ذلك سببًا لتسرب الفساق وأهل الفجور إليهن؛ لأن المقابر في الغالب تكون خارج البيوت والمساكن، ولا شك أن زيارة المرأة للقبر محرمة ومن كبائر الذنوب.
فإن قلت: ما الجواب عما قاله الفقهاء: يكره للمرأة زيارة القبور، ويسن لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: أن فقهاء الحنابلة- رحمهم الله- كغيرهم من أهل العلم يخطئون ويصيبون فهم اعتمدوا في الحكم بالكراهة على حديث أم عطية السابق: "نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا"، وسبق الجواب عنه، ومقتضى قاعدتهم- رحمهم الله- أن زيارة المرأة للمقبرة من كبائر الذنوب؛ لأنهم نصُّوا في باب الشهادات على أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو لعن، وهذا فيه لعن فيكون من الكبائر.
وأما قولهم: يسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهم قالوا: إن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نقول لهم: ائتوا لنا ببرهان ودليل يدل على ثبوت هذه الخصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب بعضهم: بأن زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ليست زيارة حقيقية؛ لأن بينها وبين القبر ثلاثة جدران، ولهذا قال ابن القيم في النونية لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى ألا يكون قبره وثنًا قال:
فأجاب ربُّ العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران
ففي داخل القبة الصغيرة ثلاثة جدران كلها حامية لهذا القبر، قالوا: فإذا وقفت المرأة من وراء الشباك فبينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مساحة وجدر، فلا تعد زيارة، والزيارة التي لعنت فاعلتها هي: التي تقف على القبر، وهذه لم تقف على القبر فلا تكون داخلة في اللعن، وجوابنا على هذا أن نقول: في الحقيقة هذه شبهة قوية جدًّا كما سمعتم، فإن أحدًا من الناس لو أتى خمسة قبور عليها حيطان ثلاثة مثلًا ووقف وراء الحيطان هل يكون زائرًا؟ في الواقع قد نقول: ليس بزائر، لو جاء واحد وأنت مثلًا في وسط غرفة في وسط مجلس، والمجلس في وسط الحوش، والحوش في وسط الحديقة، ومن وراء الحديثة، جدار وسلّم عليك من وراء الجدار: السلام عليك يا فلان، كيف حالك؟ كيف أصبحت؟ يكون زائرًا لك أو غير زائر؟ غير زائر، فيكون هذه ليست بزيارة، في الحقيقة أنه تعليل قوي جدًّا، لكن قد نقول: إن الزيارة مطلقة، الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق لعن زائرات القبور ولم يحدد، والقاعدة الفقهية: أن ما لم يحدد بالشرع فحده العرف.