((بعرق الجبين)) الباء هذه للملابسة والمصاحبة؛ أي: يموت وجبينه في عرق، ما معنى هذا؟ قيل: معناها أن المؤمن يشدد عليه النزع حتى يعرق جبينه.
وقيل: معناه أن المؤمن يعمل ويكدح، ويتطوع لله عز وجل حتى يأتيه الموت وهو لا يزال في عناء العمل ومشقته، فهذان قولان والحديث يحتملهما، وهما لا يتعارضان، وقد بيّنا مرارًا أن النص إذا كان يحتمل المعنيين ولا معارضة بينهما فإنه يحمل عليهما، فإن تعارضا طلب المرجح.
وعلى هذا فنقول: إن الحديث له معنيان، وربما يكون له معنى ثالث أيضًا وهو أن المؤمن يموت وهو في حياء وخجل من الله عز وجل والعادة أن الإنسان إذا صار عنده خجل وحياء تعرق جبينه، والكافر- والعياذ بالله- قلبه قاس ليس عنده خجل ولا حياء من الله- سبحانه وتعالى-.
510 - وعن أبي سعيدٍ ولأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقِّنوا موتاكم لا إله إلَّا الله)). رواه مسلمٌ والأربعة.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لقنوا موتاكم)) معنى التلقين: أن الإنسان يقول الشيء ليتبعه غيره كما يلقن المدرس الطفل الصغير القراءة مثلًا، يقرأ ثم ذاك يتبعه، فالمعنى: قولوا: ((لا إله إلا الله)) من أجل أن يتبعوكم، وقوله: ((موتاكم)) كلمة ((موتاكم)) يراد بها هنا: الذين هم في سياق الموت فهو باعتبار ما سيكون، والوصف قد يطلق على ما يتلوه إذا كان عاقبًا له مثل: {فإذا قرأت القرآن} [النحل: 98]. هل المعنى: إذا أنهيت قراءته، أو إذا أردت أن تقرأ بحيث تكون القراءة تالية لهذا؟ هذا هو المراد، فالوصف قد يوصف به من لم يتلبس به إذا كان قريبًا من ذلك، والموت يطلق على من أخذه سبب الموت كما في الحديث الذي نتلوه كل وقت هو: ((أعود بك من فتنة المحيا والممات)).
وقوله: ((لا إله إلا الله)) هذه الجملة هي كلمة التوحيد، فما معنى ((لا إله إلا الله) أي: لا معبود حق يستحق أن يعبد إلا الله عز وجل، وليس معناها: أنه لا توجد آلهة سوى الله؛ لأن هناك آلهة كثيرة تعبد من دون الله سماها الله تعالى آلهة فقال: {فلا تدع مع الله إلاهًا آخر} [الشعراء: 213].
وقال: {فما أغنت عنهم ءالهتهم التي يدعون من دون الله من شيءٍ} [هود: 101].
وعلى هذا يتبين لنا أن النفي الموجود في ((لا إله إلا الله، أو النفي الموجود في قول الرسل لقومهم: {ما لكم من إله غيره} [الأعراف: 65]. أن المراد: من إله حق مستحق لذلك؛ فإنه لا أحد يستحق هذا إلا الله عز وجل.