في الحديث: ((إن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)). وكذلك ما جاء عن يوسف: {أنت ولي وفي الدُّنيا والآخرة توفَّنى مسلمًا وألحقنى بالصَّالحين} [يوسف: 101]. كيف نجمع بينها وبين هذا الحديث؟

الجواب: أما قول مريم: {يا ليتنى متُّ قبل هذا وكنت نسيًا مَّنسيًا} [مريم: 23]، وكذلك قوله: ((اقبضني إليك غير مفتون)) فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تمني الموت إذا كان لضرر ديني أو خوف الفتنة فإنه لا بأس به، وحمل هذا الحديث الذي معنا على الضرر غير الديني، وهذا الجمع قد يكون مقبولًا، ولكننا نقول: إن هناك جمعًا أيسر منه وأبقى لعموم هذا الحديث الذي معنا، وهو أن يقال: إن مريم رضي الله عنها لم تتمن الموت، وإنما تمنَّت أنها ماتت ولم تحصل هذه الفتنة، وأظن أن هناك فرقًا بين أن يتمنى الإنسان أنه لم يحصل هذا الشيء حتى مات وبين أن يتمنى الموت متقدمًا، فالمعنى أنها تقول: {يا ليتنى متُّ قبل هذا} أي: يا ليتني لم يصبني ذلك حتى الموت، وكذلك قوله: ((اقبضني إليك غير مفتون)) ليس فيها تعجل الموت، فيها أن الله يقبضه على حال وهو غير مفتون، ولهذا ((غير)) منصوب على الحال، هو لا يقول: أسرع بقبضي وإهلاكي وموتي، لكن يقول: اقبضني على حال أكون فيها غير مفتون حتى لو حضرت الفتنة، وحضور الفتنة مع الثبات أبلغ أجرًا من الموت قبل الفتنة، كذلك أيضًا قول يوسف- عليه الصلاة والسلام-: {توفنى مسلمًا وألحقنى بالصًّالحين} هل هو طلب من الله أن يتوفاه؟ لا، وإنما طلب أن يتوفاه على الإسلام بهذا القيد، وكذلك أيضًا قول أولو الألباب: {وتوفَّنا مع الأبرار} {آل عمران: 192]. ليس طلبًا للوفاة ولكنه طلب لوفاة مقيدة، وبهذا تلتئم النصوص ولا يناقض بعضها بعضًا، والإنسان في الحقيقة حتى في الأضرار الدينية وفي الفتن لا يتمنى الموت، وإن كان لابد متمنيًا وخاف على نفسه من الفتنة الدينية لقوة الدافع ففي هذه الحال يقول: ((اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرً لي))، إذن هذا هو الجمع.

509 - وعن بريدة رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن يموت بعرق الجبين)). رواه الثَّلاثة وصحَّحه ابن حبَّان.

قال- عليه الصلاة والسلام-: ((المؤمن يموت))، ((المؤمن)): مبتدأ، وجملة ((يموت)) خبرها، وقوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015