تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ} [النور: 63]. إلا إذا قام الدليل على أن النهي لكراهة، مثل أن ينهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ثم يفعله، فإن هذا دليل على أن النهي ليس للتحريم، وأمَّا من قال: إن النهي بالنسبة للأمة يبقى على التحريم، ويكون جواز الفعل من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أبعد النجعة؛ وذلك لأن الأصل أنَّا مأمورون بالتأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فعل شيئًا فإننا نفعله، ويكون الجمع بين نهيه وفعله أن النهي يكون للكراهة لا للتحريم، على أن هذا أيضًا فيه نظر، إذ قد يقول قائل: هل الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ما يكره ولو تنزيهًا، ولهذا لو قيل: إن النهي للإرشاد وأنه على سبيل الأولى والأفضل لكان له وجه؛ يعني: حتى لو قلنا بأنه للكراهة، فإنه قد يعارض معارض فيقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفعل المكروه، وكونه ينهي عن شيء ثم يفعله يدل على أن النهي هنا للإرشاد وليس للكراهة ولا للتحريم.

قال ((القسي)) ما هو القسي؟ هو نوعٌ من الحرير، وقد سبق لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الحرير، وأنه حرم على ذكور الأمة إلا إذا كان موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع، أو إذا كان أكثر ظهورًا من غيره وإن كان موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع، ما دام أكثر ظهورًا فإن العبرة بالأكثر، وبهذا نعرف أن الحلة السيراء التي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من هذا النوع، أن خطوط الحرير التي فيها كانت أكثر ظهورًا وأغلب.

وقوله: ((المعصفر)) يعني: المصبوغ بالعصفر، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم. وظاهر الحديث: ان النهي عام للرجال والنساء، ولكن أكثر الفقهاء يقولون: إن هذا خاص بالرجال- المعصفر-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص ثوبين معصفرين قال له: ((أمك أمرتك بهذا؟ ))؛ لأن هذا من لباس النساء، فالمرأة يجوز لها أن تلبس الأحمر والمصبوغ بالعصفر، وأما الرجل فإنه ينهي عنه، هذا النهي يشمل ما إذا كان الثوب كله مصبوغًا بالعصفر، أما إذا كان بعضه مصبوغًا بالعصفر وبعضه ملونًا بلون آخر، فإنَّا إذا قسناه على مسألة الحرير نقول: إذا كان الأكثر ظهورًا هو الأحمر صار منهيًا عنه، وإذا كان الأكثر ظهورًا سواه، أو كانا مستويين كان ذلك جائزًا واختلف أهل العلم في هذا النهي هل هو للكراهة والتنزيه وخلاف الأولى أو أنه للتحريم؟ فذهب أكثر أهل العلم: إلى أن ذلك للتنزيه، وليس حرامًا على المرء أن يلبس ثوبًا معصفرًا أو مصبوغًا بما يشبه العصفر من الحمرة، وقالوا: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج من قبته بالأبطح وعليه حلَّة حمراء. فإذا كان عليه حلة حمراء دل ذلك على أن الأحمر جائز، لكن ابن القيم رحمه الله يقول: إن هذه الحلة الحمراء معناها: أن أعلامها حمر وليست كلها حمراء، وأنه لما كانت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015