وهذا هو التفصيل:
1 - حكم غسل الجنب يديه قبل إدخالهما الإناء: تصرح الرواية الأولى والثانية والثالثة بأنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ الغسل بغسل كفيه، وقد تناولنا حكم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء في باب صفة الوضوء وكماله، ولما كان كل ما قيل في هذه المسألة في الوضوء يقال في الغسل من باب أولى فإنا نعيد ما قلناه، لبعد العهد به وتيسيره فقد جاء في مسلم عن غسل الكفين قبل الوضوء في وصف وضوئه صلى الله عليه وسلم "فغسل كفيه ثلاث مرات". "فأفرغ على كفيه ثلاث مرار، فغسلهما" "فدعا بإناء" فأكفأ منها على يديه، فغسلهما ثلاثا".
قال النووي في شرحه: هذا دليل على أن غسل اليدين في أول الوضوء سنة، وهو كذلك باتفاق العلماء، ثم قال: وفيه استحباب تقديم غسل الكفين قبل غمسهما في الإناء. اهـ.
والتحقيق: أن الكلام في نقطتين مختلفتين: الأولى: غسل اليدين في أول الوضوء وهو سنة ثابتة، لا نزاع في سنيته. قال الحافظ ابن حجر: هو سنة في حق المستيقظ الذي لا يشك في نجاسة يده، ولا يكره ترك غسلهما، لعدم ورود النهي فيه. والنقطة الثانية: غسل اليدين لمن قام من النوم، أو شك في نجاستهما. وقد ورد الأمر بغسلهما في هذه الحالة قبل غمسهما في الإناء، وورد النهي عن غمسهما في الإناء قبل غسلهما -وقد عقد لهذه المسألة باب خاص في هذا الكتاب- ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحققين أن غسل اليدين قبل غمسهما لمن قام من النوم، أوشك في نجاستهما مندوب، ويكره تركه، وذهب أحمد إلى وجوب غسلهما عند القيام من نوم الليل، دون نوم النهار، وفي رواية عنه أن ترك الغسل بعد القيام من نوم الليل مكروه كراهة تحريم، وتركه بعد القيام من نوم النهار مكروه كراهة تنزيه.
والجمهور من المتقدمين والمتأخرين على أن الماء لا ينجس إذا غمس يده فيه قبل غسلهما، لأن الأصل في اليد والماء الطهارة، فلا ينجس بالشك.
وحكي عن الحسن البصري وإسحق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري أنه ينجس بالغمس بعد القيام من نوم الليل، لكنه خلاف قواعد الشريعة المتظاهرة.
وقد اختلف في الكيفية المستحبة لغسل الكفين، هل يغسلهما مجتمعتين؟ أو يغسل اليمنى، ثم يدخلها، فيخرج ما يغسل به الأخرى؟ والظاهر الأول حيث أمكن.
كما اختلف في كون هذا الغسل المستحب للنظافة أو للتعبد، فمن قال للنظافة استدل بقوله صلى الله عليه وسلم "فإنه لا يدري أين باتت يده" وعليه لا يستحب غسلهما لمن أحدث في أثناء وضوئه، أو تأكد من نظافتهما ونقاوتهما، ومن قال للتعبد استدل بطلب الغسل ثلاثا، إذ لو كان للنظافة لكفت واحدة، أو طلب النقاوة دون تحديد بعدد وعليه يستحب إعادة غسلهما لمن أحدث أثناء وضوئه، أو تأكد من نظافتهما، وهذا أولى وأحوط، والله أعلم.
2 - تنظيف اليد بعد الاستنجاء: أما عن استنجاء الجنب، وتنظيف اليد بعده فتقول الرواية الأولى "ثم