يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه" وتقول الرواية الثالثة "ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه، وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكا شديدا".
قال النووي: وينبغي لمن اغتسل من إناء كالإبريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها، وهي أنه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء، فينبغي أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة، لأنه إذا لم يغسله الآن ربما غفل عنه بعد ذلك، فلا يصح غسله لترك ذلك، وإن ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوؤه، أو يحتاج إلى كلفة في لف خرقة على يده. اهـ.
ويستحب للمستنجي بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بتراب أو أشنان [الصابون] أو يدلكها بالتراب أو حائط، ليذهب الاستقذار منها، قال ابن دقيق العيد: وإذا بقيت رائحة النجاسة بعد الاستقصاء في الإزالة لم يضر على مذهب بعض الفقهاء، وفي مذهب الشافعي خلاف، وقد يؤخذ العفو عنه من هذا الحديث لأن ضرب الأرض باليد بعد انفصالها عن محل الاستنجاء، بناء عن ظن طهارته دليل على أن هذا الضرب لطلب الأكمل فيما لا تجب إزالته، لأن اليد لو كانت نجسة بعد انفصالها لم يكن المحل طاهرا، لأنها لابسته مبتلا، فلزم أن تكون طاهرة عند انفصالها عنه طاهرا، ولزم أن يكون الضرب لفائدة، فلزم أن يكون لإزالة الريح طلبا للأكمل إذ لا جائز أن يكون الضرب لإزالة الطعم، لأن بقاء الطعم دليل على بقاء العين، ولا لإزالة اللون، لأن الجنابة بالإنزال أو بالمجامعة لا تقتضي لونا يلصق باليد، وإن اتفق فنادر، وسهل الزوال بقليل الماء. انتهى بتصرف. والله أعلم.
3 - الوضوء قبل الغسل أو بعده: وصرحت الروايات بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ وضوءه للصلاة مع غسل الجنابة، وبها أخذ أبو ثور وداود الظاهري فقالا بوجوب الوضوء قبل الغسل، ومن عداهما يقولون: الوضوء مع الغسل سنة غير واجب، أما كونه سنة فلفعله صلى الله عليه وسلم وهو محمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة، وأما كونه غير واجب فلأنه يدخل في الغسل كالحائض إذا أجنبت يكفيها غسل واحد، ولأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يذكر وضوءا، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: "يكفيك أن تفيضي عليك الماء" وقد روي عن الشافعي رواية ضعيفة أنه يلزم الجنب الوضوء في الجنابة مع الحدث، ولا يعتد بها، فقد نقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وكأنه لم يعتبر خلاف أبي ثور وداود الظاهري.
نعم يقع البحث في هذا الوضوء، هل هو وضوء حقيقة؟ أي غسل أعضائه بنية الوضوء فقط وتجب إعادة الماء على سائر الجسد في الغسل؟ أو هو كذلك ولا تجب إعادة الماء على أعضاء الوضوء، اكتفاء بغسلهما، باعتبار أن موجب الطهارتين بالنسبة إلى هذه الأعضاء واحد؟ الظاهر أنه يلزمه إعادة غسل أعضاء الوضوء ما لم ينو رفع الجنابة.
أو هو وضوء غير حقيقي؟ أي وضوء في الصورة فقط، وحقيقته تقديم غسل هذه الأعضاء على بقية الجسد، في غسل الجنابة، تكريما لها وتشريفا ويسقط غسلها الوضوء باندراج الطهارة الصغرى في الطهارة الكبرى؟ ظاهر قولهما في الرواية الأولى "ثم أفاض على سائر جسده" وقولهما في