الماء المستعمل غير مطهر، وتوضيح هذه المسألة وأدلة كل فريق سيأتي في باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد (إن شاء الله).
بقي في هذه النقطة المسح على العمامة وما شاكلها، نعم لم تتعرض رواياتنا له، لكن روى أبو داود عن ثوبان قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين"، (العصائب العمائم، جمع عصابة، سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها، فكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو نحو ذلك فهو عصابة، والتساخين لا واحد لها من لفظها، فارسي معرب، وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء وفقهاء الفرس يلبسونه على رءوسهم) كما روى أبو داود أيضا عن أنس بن مالك قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عليه عمامة قطرية (نسبة إلى قرية بإقليم البحرين) فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة"، فهذان حديثان مختلفان في حكم الاكتفاء بمسح العمامة ونحوها، وهذه المسألة من الأهمية بمكان في عصر لبست فيه المرأة شعرا مستعارا (باروكة) ولبسه بعض الرجال أيضا، كما لبسوا ولبست قبعات وعمائم يصعب خلعها في البرد، ويعرض نزعها في تيارات الشتاء لبعض الأمراض.
وليس موضوع البحث المسح على بعض شعر الرأس ولو شعرة والتكملة على العصابة، فإنه قد سبق القول بأنه جائز عند الشافعية، وليس الموضوع المسح على ربع الرأس والتكملة على العصابة، فإنه جائز عند الحنفية أيضا، وإنما موضوع المسألة الاكتفاء بمسح العصابة والعمامة بدلا من مسح شعر الرأس.
والحديث الأول المروي عن أبي داود يدل بظاهره على جواز ذلك، وهو قول لبعض العلماء، قال الترمذي في جامعه: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس، وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحق. وقال ابن القيم في تهذيب السنن: قال عمر بن الخطاب من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله، والمسح على العمامة سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضية مشهورة عند ذوي القناعة من أهل العلم في الأمصار. اهـ. كما قال هذا الفريق: إن عضوا يسقط فرضه في التيمم يجوز المسح على حائله كالقدمين، واختلف القائلون بهذا القول في: هل يشترط فيمن يمسح على العمامة أن يكون قد لبسها على طهارة، قياسا على الخفين؟ ذهب إلى ذلك البعض، والأكثرون لا يشترط، كما اختلفوا في: هل لهذا المسح وقت ومدة؟ قال أبو ثور: إن وقته كوقت المسح على الخفين، وقال ابن حزم: لا يوقت ذلك بوقت.
وجمهور العلماء والفقهاء، وسفيان الثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة على أنه لا يجوز المسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، قالوا: إن الله فرض مسح الرأس، وحديث أبي داود محتمل التأويل، فلا يترك الأصل المتيقن وجوبه بالحديث المحتمل، بل قال بعضهم: إن حديث أبي داود خاص بهذه السرية، أو بأن المسح على العمامة منسوخ. والله أعلم.
7 - ولم تتعرض روايات مسلم لمسح الأذنين، لكن روى أبو داود في وصف علي -كرم الله وجهه-