بناصيته وعلى العمامة" وبما رواه الشافعي من حديث عطاء "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه، ومسح مقدم رأسه".
قال الشافعي: احتمل قوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم} جميع الرأس أو بعضه فدلت السنة على أن بعضه يجزئ. اهـ.
ويرد هذا الفريق دليل الفريق الأول بأن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الأفضل والأحاديث التي استدلوا بها إنما وردت في كمال الوضوء، وليس فيما لا بد منه، ومسح الرأس كله مستحب باتفاق العلماء.
وأما استدلالهم بقياس الرأس على بقية أعضاء الوضوء فهو قياس مع الفارق؛ إذ كون المسح مبنيا على التخفيف واضح بما لا شبهة فيه.
ويضعف الفريق الأول أن أصحاب مالك لم يتفقوا معه على هذا الحكم، فقد قال ابن مسلمة: إن مسح ثلثيه أجزأه، وقال أبو الفرج: إن مسح ثلثه أجزأه، وقال أشهب: إن مسح الناصية أجزأه، وعنه أيضا: إن مسح أي شيء منه أجزأه.
بل يزيده ضعفا أن ما نسب إلى الإمام مالك نفسه هو المشهور عنه؛ إذ عبارة الأبي المالكي، أن المشهور لمالك ما ذكر من أن الفرض مسح جميعه. اهـ. ومعنى هذا: أن هناك رأيا آخر له غير مشهور، وأن ما نسب إلى الإمام أحمد إنما هو إحدى الروايات عنه. والله أعلم.
وقد تعرضت الروايات في الباب بعد التالي إلى كيفية المسح، والسنة في ذلك أن يمسح شعر رأسه بيديه: يبدأ بمقدم رأسه، وينتهي بهما إلى قفاه، ثم يرد يديه إلى مقدم رأسه من المكان الذي بدأ منه، وبهذا الإقبال والإدبار يستوعب جهتي الرأس بالمسح؛ لأنه يمسح في الرجوع ما لم يمسحه في الذهاب وعلى هذا يختص ذلك بمن كان له شعر، وبمن كان شعره غير مضفور، وأما من لا شعر له على رأسه، أو كان شعره مضفورا فلا يستحب له الرد، إذ لا فائدة فيه، ولو رد في هذه الحالة لم يحسب الرد مسحة ثانية، لأن الماء صار مستعملا بالنسبة إلى ما سوى تلك المسحة. قال النووي.
كما تعرضت الروايات إلى كون مسح الرأس بماء جديد غير فضل يديه، وقد نقل عن القاضي عياض أن السنة تجديد الماء لمسح الرأس، وأجاز الحسن والأوزاعي وعروة مسحه ببل اليدين، وعند بعض المالكية: إن كان بلحيته بلل وبعد عن الماء مسح به، ومعنى هذا أن الرواية وإن أخبرت عن الإتيان بماء جديد فإنه لا يلزم من ذلك اشتراطه، ولكن جاء في المدونة: إن مسح الرأس ببل اللحية لم يجزه، وخرج اللخمي القولين على طهورية الماء المستعمل، فمن رأى طهوريته أجاز مسح الرأس ببقية ماء غسل اليدين، ومن رأى أنه غير طهور لم يجز مسح الرأس بفضل اليدين، والخلاف في طهورية الماء المستعمل وعدم طهوريته مشهور، فأحمد والليثي والأوزاعي والشافعي، ومالك في إحدى الروايتين عنه، وأبو حنيفة في رواية عنه ذهبوا إلى أن