وبعضهم يرى أن الحجة والمسئولية تقع على الكسب الذي هو مقارنة قدرة العبد لقدرة الرب حين الفعل ودون تأثير لها فإن قيل لهم كيف تقع المسئولية من غير تأثير قالوا {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء 23] وأهل السنة أمام حديثنا يحاولون تبرير حجة آدم وتقويتها وتضعيف موقف موسى وحجته

فالخطابي يقول اللوم من قبل موسى ساقط إذ ليس لأحد أن يعير أحدا بذنب كان منه لأن الخلق كلهم تحت العبودية سواء وإنما يتجه اللوم من قبل الله سبحانه وتعالى الذي نهاه فباشر ما نهاه عنه ولم يقع من آدم إنكار لما صدر منه بل عارضه بأمر دفع به عنه اللوم اهـ

ومعنى هذا أن آدم لم يعتذر عن معصيته بالقدر وإنما دفع اللوم من اللائم بأنه ليس من حقه أن يلوم بل عليه أن يسلم بالقدر الغالب لكل البشر فقد غلب القدر موسى فقتل نفسا لم يؤمر بقتلها

وللمعترض على هذا التوجيه أن يقول إذا كان الله هو الذي يوجه اللوم فلم لا يباشره من تلقى عن الله من الرسل ولم لا يباشره من تلقى عن رسله ممن يحملون أمر تبليغ شريعتهم

والحافظ ابن حجر يرى أن آدم لم يعتذر عن المعصية بالقدر أي لم يعتذر عن الأكل من الشجرة بالقدر إذ محصل لوم موسى إنما هو على الإخراج فكأنه قال أنا لم أخرجكم وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على الأكل من الشجرة وقدره هو الذي رتب ذلك قبل أن أخلق فكيف تلومني على أمر ليس لي فيه نسبة والإخراج ليس من فعلي اهـ ومحصل هذا أن موسى لام آدم على أشياء ليست من كسبه فلا حق له في اللوم

وقد سبق إلى هذا القول الداوودي فيما نقله ابن التين حيث قال إنما قامت حجة آدم لأن الله خلقه ليجعله في الأرض خليفة فلم يحتج آدم في أكله من الشجرة بسابق العلم لأنه كان عن اختيار منه وإنما احتج بالقدر لخروجه لأنه لم يكن بد من ذلك

وحكى القرطبي وغيره أن آدم أب وموسى ابن وليس للابن أن يلوم أباه وهذا القول بعيد لأنه لا يعتذر الأب عن المعصية للابن بالقدر ثم هو ليس على عمومه فقد يجوز للابن أن يلوم أباه في عدة مواطن

وقيل إنما غلبه آدم لأنهما في شريعتين متغايرتين فقد تسمح شريعة آدم بالاحتجاج بسابق القدر ولا تسمح شريعة موسى أن يحتج به وتسمح أن يتوجه اللوم على المخالف به وتعقب بأنها دعوى لا دليل عليها

وقال ابن حجر أيضا إن الذي فعله آدم اجتمع فيه القدر والكسب والتوبة تمحو أثر الكسب وقد كان تاب الله عليه فلم يبق إلا القدر والقدر لا يتوجه عليه لوم لأنه فعل الله ولا يسأل عما يفعل

وقد سبقه إلى ذلك ابن عبد البر حيث قال هذا عندي مخصوص بآدم لأن المناظرة بينهما وقعت بعد أن تاب الله على آدم قطعا كما قال تعالى {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} [البقرة 37] فحسن من آدم أن ينكر على موسى لومه على الأكل من الشجرة لأنه كان قد تيب عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015