حاتم من طريق السدي قال: "لما اتخذ الله إبراهيم خليلا، استأذنه ملك الموت أن يبشره، فأذن له" ... فذكر قصة معه في كيفية قبض روح الكافر والمؤمن. قال: فقام إبراهيم يدعو ربه "رب أرني كيف تحيي الموتى؟ حتى أعلم أني خليلك" وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد قال: "ليطمئن قلبي بالخلة" ومن طريق سعيد بن جبير، قال "ليطمئن قلبي أني خليلك" ومن طريق الضحاك عن ابن عباس "لأعلم أنك أجبت دعائي" ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه "لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك" وإلى هذا جنح القاضي أبو بكر الباقلاني.
وقال بعضهم: إنما طلب إبراهيم هذا المطلب حبا للرؤية، واشتياقا إليها، وإعجابا بها وتمتعا، وليس شكا في وقوعها، فأراد أن يسر قلبه ويطمئن برؤية آثار القدرة التي لا يشك فيها.
وقال بعضهم: إنما طلب إبراهيم أن يريه ربه، ويرى قومه المكذبين للبعث، وذلك أن النمرود لما قال لإبراهيم: من ربك؟ فقال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت. قال النمرود: أنا أحيي وأميت، فجاء بمحكوم عليه بالإعدام فأطلقه، وببريء فقتله، فأراد إبراهيم أن يريه الله إحياء الموتى الحقيقي ليعلم الفرق بين القدرة الإلهية وعبث النمرود، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال: "المراد ليطمئن قلبي أنهم يعلمون أنك تحيي الموتى" أي ليطمئن قلبي بإيمانهم بالبعث.
وقال بعضهم: إنما طلب لزيادة اليقين البالغ حد الجزم، كزيادة الإيمان بكثرة نزول الآيات، فاليقين العلمي الخالي من الشك يزداد بالمعاينة والمشاهدة. وهذا من أحسن التوجيهات وهناك توجيهات بعيدة. منها:
أن مراده أقدرني على إحياء الموتى، فتأدب في السؤال، قال ابن الحصار: إنما أراد أن يحيي الله الموتى على يديه، فلهذا قيل له في الجواب {فصرهن إليك} [البقرة: 260].
وحكى ابن التين عن بعض من لا تحصيل عنده أنه أراد بقوله "قلبي" رجلا صالحا كان يصحبه سأله عن ذلك.
وأبعد مما سبق ما حكاه القرطبي عن بعض الصوفية أنه سأل ربه أن يريه كيف يحيي القلوب؟ وأبعد منه أنه طلب هذا المطلب لمجرد حب المراجعة في السؤال.
وبناء على ما سبق من توجيهات اختلف العلماء في معنى قوله "نحن أحق بالشك من إبراهيم" فقيل: معناه: نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم.
وقيل: معناه: إذا كنا لا نشك نحن، فإبراهيم لم يشك، فنحن أولى بالشك منه، أي لو كان الشك في ذلك يتطرق إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم. وقال ذلك تواضعا منه، أو قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، فهو من قبيل ما قيل في روايتنا الأولى، حيث قيل: أن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس: شك إبراهيم ولم يشك نبينا فبلغه ذلك، فقال: نحن أحق بالشك من إبراهيم. أي إبراهيم لم يشك.