24 - وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق وإنما ذلك إذا أصاب وجهها قال الحافظ ابن حجر: وحديث "والرؤيا لأول عابر" ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن، وصححه الحاكم، عن أبي رزين، رفعه "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت" لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي "سقطت" وعند عبد الرزاق "الرؤيا تقع على ما يعبر، مثل ذلك، مثل رجل رفع رجله، فهو ينتظر متى يضعها" وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن عطاء "كان يقال: الرؤيا على ما أولت" وعند الدارمي بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر، يختلف - أي يسافر في التجارة- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن زوجي غائب وتركني حاملا فرأيت في المنام أن سارية ببيتي انكسرت وأني ولدت غلاما أعور فقال: خير يرجع زوجك - إن شاء الله - صالحا، وتلدين غلاما بارا فذكرت ذلك ثلاثا. فجاءت ورسول صلى الله عليه وسلم غائب، فسألتها، فأخبرتني بالمنام فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك، وتلدين غلاما فاجرا فقعدت تبكي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مه يا عائشة. إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فأعبروها على خير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها" وفي رواية "فرجع زوجها سالما".
قال العلماء: فمعنى "الرؤيا لأول عابر" أي إذا كان العابر الأول عالما، فعبر، فأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام، ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه به من المثل، فإذا أصاب الأول فلا ينبغي أن يسأل غيره، وإن لم يصب فليسأل الثاني، وعلى الثاني أن يخبر بما عنده، ويبين ما جهل الأول، ولعل حديث وقوع الرؤيا بأول عابر أريد به أن يتحرى الرائي اختيار من يعبر له رؤياه، ولا يكثر من التردد على المعبرين.
25 - أن العالم مهما وصل علمه قد يخطئ، فأبو بكر من أعلم الصحابة بتأويل الرؤيا، ومع ذلك أخطأ في تأويل بعض وقائعها، بصريح كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف العلماء في تحديد موطن خطئه اختلافا متشعبا، لا يسلم أكثره من التعقيب.
فقال ابن المهلب: كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له، فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل، ثم وصل لغيره، أي وصلت الخلافة لغيره. اهـ. يقصد أن الرؤيا في رواية للبخاري قالت عن الرجل الثالث "ثم أخذ به رجل آخر، فانقطع، ثم وصل" مما قد يحمل على أنه يوصل لغيره، لا له، وتفسير أبي بكر ذكر أن الموصول له هو نفسه الذي انقطع به، حيث قال في التعبير "ثم يأخذ به رجل آخر، فينقطع به، ثم يوصل له، فيعلو به" فكأن أبا بكر أخطأ، فزاد في التعبير ما ليس في الرؤيا ينقطع به الحبل ثم يوصل له نفسه، ولفظها "فانقطع به، ثم وصل له، فعلا" فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها عليه، فعبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة، فاتصل بهما، فعبر عنه بالحبل، وصل له، فاتصل، فالتحق بهما، وليس في ذلك خطأ في التعبير، كما توهم ابن المهلب.
وقال ابن قتيبة ووافقه جماعة على قوله: إن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان يرجو أن