أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها - وإما بكناها - أي بتعبيرها، وإما تخليط، ونظيرها في اليقظة الخواطر، فإنها قد تأتي على نسق في قصة، وقد تأتي مسترسلة، غير محصلة.
وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أنها اعتقادات، واحتج بأن الرائي قد يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا، وليس هذا إدراكا، فوجب أن يكون اعتقادا لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد قال ابن العربي: والأول أولى، والذي يكون من قبيل ما ذكره ابن الطيب من قبيل المثل، فالإدراك إنما يتعلق به، لا بأصل الذات.
وقال المازري: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت أقوالهم، فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط، فيقول: من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك، لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو، وهكذا إلى آخره.
وهذا وإن جوزه العقل، وجاز أن يجري الله به العادة لكنه لم يقم عليه دليل، ولا اطردت به عادة، والقطع في موضوع التجويز غلط (أي هذا إن صح في بعض الرؤيا فلا يجوز تعميمه على كل رؤيا) ومن ينتمي إلى الفلسفة يقول: إن صور ما يجري على الأرض هي في العالم العلوي، كالنقوش، فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها، قال: وهذا أشد فسادا من الأول، لكونه تحكما لا برهان عليه، والانتقاش من صفات الأجسام، وأكثر ما يجري في العالم العلوي الأعراض، والأعراض لا ينتقش فيها.
قال: والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان، فإذا خلقها فكأنه جعلها علما على أمور أخرى، يخلقها في ثاني الحال (أي مستقبلا) ومهما وقع منها على خلاف المعتقد، فهو كما يقع لليقظان، ونظيره أن الله تعالى خلق الغيم علامة على المطر وقد يتخلف، وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك، فيقع بعدها ما يسر، أو بحضرة الشيطان، فيقع بعدها ما يضر، والعلم عند الله تعالى، اهـ.
وهذا الذي عليه أهل السنة ليس عاما، ينطبق على جميع الرؤيا، وإنما هو لنوع منها.
وقال القرطبي: سبب تخليط غير الشرعيين إعراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم، وبيان ذلك أن الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس، وقد غيب عنها علم حقيقتها، أي النفس، وإذا كان كذلك فالأولى أن لا تعلم علم إدراكاتها، بل كثير مما انكشف لنا من إدراكات السمع والبصر، إنما نعلم منه أمورا جملية، لا تفصيلية.
ونقل القرطبي في المفهم عن بعض أهل العلم أن لله تعالى ملكا، يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورة محسوسة، فتكون تارة أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة وتكون في الحالين مبشرة ومنذرة. قال: ويحتاج فيما نقله عن الملك إلى توقيف من الشرع، وإلا فجائز أن يخلق الله تعالى تلك المثالات من غير ملك.
قال: وقيل: إن الرؤيا إدراك أمثلة، منضبطة في التخيل، جعلها الله أعلاما على ما كان أو يكون.