أن المراد بخروجهما من بعده قوة شوكتهما وظهورهما وخروجهما ومحاربتهما للمسلمين، وقد حصل هذا من بعده لمسيلمة، وأضيف لهما على سبيل التغليب، والثاني أن في الكلام مضافا محذوفا، والأصل بعد نبوتي، والأول أقرب، وفي الرواية الثالثة والعشرين "الكذابين اللذين أنا بينهما" مما يفيد أنهما حين قص الرؤيا كانا موجودين، وهو كذلك.

قال ابن العربي: يحتمل أن يكون ما تأوله النبي صلى الله عليه وسلم في السوارين بوحي، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قد تفاءل بذلك دفعا لحالهما، فأخرج المنام المذكور عليهما، لأن الرؤيا إذ عبرت وقعت كما عبرت غالبا. والله أعلم.

(فكان أحدهما العنسي، صاحب صنعاء) "العنسي" بسكون النون، وحكى ابن التين جواز فتحها، والأسود العنسي اسمه عبهلة بن كعب، وكان يقال له: ذو الخمار، بالخاء، لأنه كان يخمر وجهه، وقيل: هو اسم شيطانه، وقيل: كان يقال له: ذو الحمار بالحاء، لأنه كان له حمار، علمه أن يسجد له، وكان يصحبه كمظهر من مظاهر معجزته، وكان الأسود خرج بصنعاء وادعى النبوة، وغلب على عامل صنعاء، المهاجر بن أمية، وروى البيهقي في الدلائل "كان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم بصنعاء، فمات، فخرج الأسود في قومه، حتى ملك صنعاء، وتزوج المرزبانة، زوجة باذان، فواعدت فيروز وأصحابه، حتى دخلوا على الأسود ليلا، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا، حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار، حتى وصلوا إليه فقتله فيروز، واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة، وكان ذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه الوحي، فأخبره، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقيل: وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم.

(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه) أي بعد انصرافه من الصلاة بالسلام، وبعد التسبيح والتحميد والتكبير، وهذا الأسلوب يفيد العادة والاستمرار، لأن "إذا" لما يستقبل من الزمان، والجمع بين الماضي والاستقبال يفيد العادة والكثرة، ومنه قولهم: كان يفعل كذا، وفي رواية للبخاري "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه".

(هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا) "البارحة" صفة لموصوف محذوف، تقديره: الليلة البارحة أي الماضية، وإن كان قبل الزوال، وقال ثعلب وغيره: لا يقال "البارحة" إلا بعد الزوال، وهذا الحديث يرده لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "البارحة" إذا صلى الصبح، أي قبل الزوال قال النووي: ويحتمل أنهم أرادوا أن هذا حقيقته، ويطلق قبل الزوال مجازا زاد البخاري في رواية "قال: فيقص عليه ما شاء الله أن يقص" بضم الياء وفتح القاف.

-[فقه الحديث]-

في حقيقة الرؤيا أقوال للعلماء منها:

قال القاضي أبو بكر بن العربي: الرؤيا إدراكات، علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015