قال الحافظ ابن حجر: الصواب: وهي أم أولاد عبد الله بن عامر، لأنها زوجته، لا أمه، نعم كان لعبد الله بن عامر ولد، يدعى عبد الله، فهي أم عبد الله بن عامر، وكانت كيسة بنت الحارث قبل عبد الله بن عامر تحت مسيلمة الكذاب، فلعله نزل دارها لكونها كانت امرأته، وقيل نزل دارها، لأن دارها كانت قد أعدت لنزول الوفود.
(فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته) أي رجعت إلى متابعته، والمراد من الأمر الخلافة والقيام بمهام الرسالة.
(فقدمها في بشر كثير من قومه) قيل كانوا سبعة عشر رجلا.
(فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم) يعامله معاملة الكرم، على عادته صلى الله عليه وسلم في الاستئلاف وتوجه إليه بنفسه ليقيم عليه الحجة، ويرفع عذره بإنذاره.
(ومعه ثابت بن قيس بن شماس) لأنه كان خطيب الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم، فإذا دعت الضرورة الشرح والإطالة ترك ثابتا يشرح.
(وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد) كعصاة صغيرة، ولعله أخذها متعمدا ليقول عنها ما قال.
(حتى وقف على مسيلمة في أصحابه) أي في أصحاب مسيلمة، يقال: وقف على الشيء إذا حضره وعاينه.
(قال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها) قال هذا جوابا على سؤال مسيلمة أن يجعل له الأمر من بعده، والمعنى لو طلبت مني هذه القطعة الصغيرة التافهة من جريد النخيل، مقابل أن تتبعني ما أعطيتكها، ففي رواية البخاري "فوقف عليه، فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا من بعدك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه".
(ولن أتعدى أمر الله فيك) قال النووي: كذا وقع في جميع نسخ مسلم، ووقع في البخاري "ولن تعدو أمر الله فيك" قال القاضي: هما صحيحان، فمعنى الأول: لن أعدو أنا أمر الله فيك، بل إني لا أجيبك إلى ما طلبته، مما لا ينبغي لك، من الاستخلاف أو المشاركة، ومن أني أبلغ ما أنزل إلي، وأدفع أمرك بالتي هي أحسن، ومعنى الثاني: ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة، وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى، وقدره في شقاوتك، قال الحافظ ابن حجر: وفي رواية "ولن تعد" بالجزم، وهو لغة، أي الجزم بلن.
(ولئن أدبرت ليعقرنك الله) أي إن أدبرت عن طاعتي وأعرضت عن ديني، ليقتلنك الله، والعقر القتل، و {فعقروا الناقة} [الأعراف: 77] قتلوها. وقد قتله الله يوم اليمامة.
(وإني لأراك الذي أريت فيك ما أريت) "لأراك" بضم الهمزة، أي لأظنك، و"أريت فيك ما أريت" بضم الهمزة أيضا، مبني للمجهول، من رؤيا المنام والمعنى وإني لأظن أنه سيقع بك الهلاك الهائل العظيم الذي أرانيه الله تعالى عنك في المنام و"ما" في قوله "ما أريت" للتهويل والتفخيم، كما في قوله تعالى {فغشيهم من اليم ما غشيهم} [طه: 78].