وجمهور المفسرين على أن الآية تشير إلى غزوة حمراء الأسد، وذلك أنه عقب انتهاء غزوة أحد، وفي اليوم الثاني منها نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس باتباع المشركين، ليعلموا أن بالمسلمين قوة، وقال: لا يخرج معنا إلا من شهدها بالأمس، فنهض معه مائتا رجل من المؤمنين، ربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي ولا يجد مركوبا فربما حمل على الأعناق، فلما وصلوا حمراء الأسد بلغهم أن كفار قريش قد أجمعوا أمرهم على أن يأتوا المدينة، فيستأصلوا أهلها، فقالوا: لم يخبرنا الله بشأنهم، حسبنا الله ونعم الوكيل، وشاء الله أن يذهب إلى كفار قريش من يثقون فيه وليس منهم، فيخبرهم - خداعا - أن محمدا وأصحابه بحمراء الأسد في جيش عظيم، سيكر عليهم، فخاف أبو سفيان ومن معه، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فأسرعوا إلى مكة، ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وهذا التفسير أولى في مقامنا، لأن الخير الذي فسر في الرؤيا كان بعد ذبح البقر، ولا يتأتى هذا على التفسير الأول، وقوله في حديثنا "بعد يوم بدر" لا يتعارض مع ما ذهبنا إليه، فما بعد أحد هو بعد بدر.
والحاصل أن رؤياه صلى الله عليه وسلم اشتملت على قصتين، قصة هز السيف وما وقع به من فلول وكسور، وفسرت بابتلاء المسلمين في أحد، وعودة السيف سليما مشهورا بنصر الإسلام وعزته فيما بعد أحد، وعلى رأس هذا النصر فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجا، القصة الثانية البقر الذي يذبح، وفسر بشهداء المسلمين في أحد، والخير الذي يعقبه، وفسر باستعادة الثقة والأمن بعد أحد، ابتداء من غزوة حمراء الأسد.
(قدم مسيلمة الكذاب - على عهد النبي صلى الله عليه وسلم - المدينة) "مسيلمة" بكسر اللام، مصغر، وهو ابن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث، من بني حنيفة، وادعى بعضهم أن مسيلمة لقب، واسمه ثمامة، فإن صح كان ممن وافقت كنيته اسمه، فقد كانت كنيته أبا ثمامة، وقد ذكر ابن إسحاق أن مسيلمة قدم مع وفد قومه، وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا منه جائزته. اهـ. فهذا القدوم - إن صحت روايته، وهي ضعيفة - غير القدوم الذي في روايتنا، فالقدوم الأول كان تابعا، وكان رئيس بني حنيفة رجلا غيره، ولهذا أقام في رحالة الوفد يحفظها لهم، وأسلم مع وفد قومه - وكانوا يسكنون اليمامة، بين مكة واليمن، أما القدوم الذي في روايتنا فالمراد به قدوم وقع بعد ردته وكذبه وادعائه النبوة فبين القدومين أكثر من عام، عظم فيه قدره في بني حنيفة، بعد أن تزوج "سجاح" وهي امرأة من بني تميم ادعت النبوة أيضا وتبعها كثيرون من قومها، فخادعها مسيلمة إلى أن تزوجها، فدان له أتباعها من قومها واجتمعوا على طاعته حتى كان يقال له رحمان اليمامة، فادعى شركة محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، وكتب إليه "أما بعد" فإن الأرض بيني وبينك نصفين، لي نصفها، ولك نصفها، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم "أما بعد" فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، فعدل من دعواه الشركة إلى الدعوة إلى أن يكون الخليفة من بعده صلى الله عليه وسلم وجاء المدينة، لعله يحظى بالموافقة.
وفي رواية للبخاري "أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة، فنزل في دار بنت الحارث - وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد الله بن عامر فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس .. ".