رواية للبخاري "هززت سيفي" وفي رواية عند ابن إسحاق "ورأيت سيفي ذي الفقار انقصم من عند ظبته - أو قال: به فلول، فكرهته" وفي أخرى عند ابن إسحاق "ورأيت في ذباب سيفي ثلما" وصدر كل شيء مقدمه، وظبة السيف بضم الظاء وتشديد الباء، حده وذبابه حد طرفيه، والثلم الشق وكسر الحرف، قال المهلب: هذه الرؤيا من ضرب المثل، ولما كان صلى الله عليه وسلم يصول بالصحابة عبر عن السيف بهم، وبهزه عن أمره لهم بالحرب، وعن القطع فيه بالقتل فيهم. اهـ. وقيل: كان الذي رآه بسيفه ما أصاب وجهه الكريم، والثلم في السيف رجل من أهل بيته يقتل، ويبعده صريح روايتنا، وأن ما رآه بسيفه هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد.
(ثم هزرته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين) فعودة السيف إلى حالته الحسنة تعبر بفتح مكة ونصر الله واجتماع الناس على الإسلام.
(ورأيت فيها أيضا) أي في الرؤيا نفسها.
(بقرا) بفتح الباء والقاف، جمع بقرة، وفي رواية "بقرا تذبح" وفي رواية "بقرا تنحر" وعند أحمد والنسائي وابن سعد "ورأيت بقرا منحرة" قال النووي: وبهذه الزيادة "تذبح" "تنحر" "منحرة" يتم تأويل الرؤيا بما ذكر فنحر البقر هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد.
(والله خير) مبتدأ وخبر، قال القاضي: ضبطناه عن جميع الرواة برفع الهاء والراء وهو من جملة ما حكي من الرؤيا، فهي كلمة ألقيت إليه وسمعها في الرؤيا، عند رؤيا البقر، بدليل تأويلها بعد، وفيه مضاف محذوف أي وصنع الله وفعله خير على كل حال، فصنعه بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، وقيل: معناه: والله عنده خير وعند ابن إسحاق "وإني رأيت والله خيرا رأيت بقرا" وهي أوضح، والواو للقسم، "والله" بالجر مقسم به "وخيرا" مفعول "رأيت" وفي رواية "تأولت البقر الذي رأيت بقرا يكون فينا، قال: فكان ذلك من أصيب من المسلمين" فقوله "بقرا" بفتح الباء وسكون القاف، وهو شق البطن.
(وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر) قال القاضي عياض: ضبطنا "بعد يوم بدر" بضم الدال ونصب "يوم" قال: وروي بنصب الدال، قالوا: ومعناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين، لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، وتفرق العدو عنهم، هيبة لهم، اهـ يشير القاضي إلى أن المراد بالخير في الحديث إلقاء الرعب في قلب مشركي مكة، وعدم خروجهم في العام القابل بعد بدر، كما هددوا وتوعدوا في بدر، وتثبيت قلوب المؤمنين، وعودتهم من الغزوة لم يمسسهم سوء، وتفسير الآية بهذا شذ به مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى: إذ قالا: إنما الآية نزلت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان، إذ قال: - بعد هزيمته في بدر الكبرى - موعدنا بدر من العام المقبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: نعم فلما جاء الموعد خرج صلى الله عليه وسلم قبل بدر، وجاءهم من يقول: إن قريشا قد اجتمعت لحربهم، فأشفق المسلمون من ذلك، لكنهم قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فصمموا حتى أتوا بدرا، فلم يجدوا أحدا فاشتروا من سوقها تجارة ونعما.