غير مسلم "من أربعين جزءا" وفي رواية "من تسعة وأربعين" وفي رواية "من خمسين" وفي رواية "من ستة وعشرين" وفي رواية "من أربعة وأربعين" قال القاضي: أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءا من ستة وأربعين جزءا، والفاسق جزءا من سبعين جزءا، وقيل: المراد أن الخفي منها جزء من سبعين والجلي جزء من ستة وأربعين. اهـ.
وقد استشكل كون الرؤيا جزء من النبوة، مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل في الجواب: إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز، وقال الخطابي: قيل: معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة، لا أنها جزء باق من النبوة، وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة، لأن النبوة وإن انقطعت، فعلمها باق، وتعقب بقول مالك، فيما حكاه ابن عبد البر، أنه سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يلعب بالنبوة، والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب، لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم، وقال ابن بطال: كون الرؤيا جزءا من أجزاء النبوة مما يستعظم، ولو كانت جزءا من ألف جزء، فيمكن أن يقال: إن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء، وهو الإعلام لغة، فالمعنى - على هذا - أن الرؤيا خبر صادق من الله، لا كذب فيه، كما أن معنى النبوة بنبأ صادق من الله، لا يجوز عليه الكذب، فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر، اهـ. ففي الكلام تشبيه، والتقدير: الرؤيا كجزء من النبوة في صدق الخبر.
وقال المازري: يحتمل أن يراد بالنبوة في هذا الحديث، الخبر بالغيب لا غير، وإن كان يتبع ذاك إنذار أو تبشير، فالخبر بالغيب أحد ثمرات النبوة، وهو غير مقصود لذاته، لأنه يصح أن يبعث نبي يقرر الشرع، ويبين الأحكام، وإن لم يخبر في طول عمره بغيب، ولا يكون إلا صادقا ولا يقع إلا حقا، وأما خصوص العدد فهو مما أطلع الله عليه نبيه، لأنه يعلم من حقائق النبوة ما لم يعلمه غيره، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة، لأن فيها اطلاعا على الغيب من وجه ما، وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة.
وقال المازري: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلا، فقد جعل الله للعالم حدا، يقف عنده، فمنه ما يعلم المراد منه جملة وتفصيلا ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلا، وهذا من هذا القبيل.
وقد حاول بعض أهل العلم أن يتلمس مناسبة للرواية المشهورة "جزء من ستة وأربعين جزءا" فقال: إن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر، ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها من الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا، لأنه عاش بعد النبوة ثلاثا وعشرين سنة على الصحيح.
قال ابن بطال: هذا التأويل يفسد من وجهين: أحدهما أنه قد اختلف في قدر المدة التي عاشها بعد البعثة إلى موته، والثاني أن يبقى حديث السبعين جزءا بغير معنى. قال الحافظ ابن حجر: