من النبوة بالتبشير والإنذار. اهـ. ويؤيد أن المراد اقتراب الساعة الحديث الصحيح "يتقارب الزمان ويرفع العلم" فإن المراد به اقتراب الساعة قطعا، قال الداودي: المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي اهـ. والمراد بنقصها ضياع بركتها، والإحساس بسرعة مرورها، وذلك قرب يوم القيامة، كما ثبت في الصحيح "يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة" رواه مسلم، وقيل: إن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي، عند بسط العدل، وكثرة الأمن، وبسط الخير والرزق، فإن ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه، وفي قوله "لم تكد" إشارة إلى غلبة الصدق على الرؤيا، وإن أمكن أن شيئا منها لا يصدق، قال الحافظ ابن حجر: والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلا، لأن حرف النفي الداخل على "كاد" ينفي قرب حصوله، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه. ذكره الطيبي.
وقال القرطبي في المفهم: المراد - والله أعلم - بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث (المذكور في الحديث اقتراب الزمان، وليس آخر الزمان) زمان الطائفة الباقية مع عيسى ابن مريم، بعد قتله الدجال، فكأن أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالا، بعد الصدر الأول، وأصدقهم أقوالا، فكانت رؤياهم لا تكذب، وقال ابن أبي جمرة: معنى كون الرؤيا في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبا على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير، فلا يدخلها الكذب، بخلاف ما قبل ذلك، فإنها قد يخفى تأويلها، فيعبرها العابر، فلا تقع كما قال، فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار، قال: والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا، فيقل أنيس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت، فيكرم بالرؤيا الصادقة.
قال الحافظ ابن حجر: وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب" إذا كان المراد آخر الزمان، ثلاثة أقوال: أحدهما أن العلم بأمور الديانة يذهب، فعوضوا بالرؤيا الصادقة، الثاني: أن المؤمنين يقل عددهم، فيؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة، إكراما له، وتسلية، وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين، بل كلما قرب فراغ الدنيا تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق، الثالث أن ذلك خاص بزمان عيسى ابن مريم. قال: وأولها أولاها اهـ.
(وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا) لأن من كثر صدقه تنور قلبه، وقوي إدراكه، فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة، وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه، فلا يرى إلا صدقا بخلاف الكاذب والمخلط، فإنه يفسد قلبه ويظلم، فلا يرى إلا تخليطا وأضغاثا، وقد يندر العكس أحيانا، فيرى الصادق ما لا يصح، ويرى الكاذب ما يصح ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم. قاله القرطبي.
(ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة) كذا في كثير من الأصول "خمس" وفي بعضها "خمسة" وهو الصواب، وفي الرواية السابعة والثامنة والتاسعة "جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" وفي الرواية العاشرة "جزء من سبعين جزءا من النبوة" قال النووي: فحصل ثلاث روايات، المشهور "ستة وأربعين" والثانية "خمسة وأربعين" والثالثة "سبعين" وفي