أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم: السلام على من اتبع الهدى. وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين "إذا سلمت على المشركين فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيحسبون أنك سلمت عليهم، وقد صرفت السلام عنهم" والتحقيق أن السلام له معان متعددة، وجملة السلام عليكم يمكن أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، وأن تكون إنشائية دعائية، فالسلام بمعنى أمان الله في الدنيا والآخرة لا يقال لهم ابتداء ولا جواباً، إن كانت الجملة خبرية فهو كذب، وإن كانت دعائية فلا يجوز الدعاء لهم بذلك، ولكن يدعى لهم بالهداية والإسلام، وهذه وجهة نظر من يمنع أن يقال لهم "ورحمة الله وبركاته" والسلام على أنه اسم الله تعالى يراد مع حذف مضاف تقديره "أمان الله، أو رحمة الله، أو إحسان الله، أو جنة الله، ونحو ذلك، وهو في المنع كسابقه.

والسلام بمعنى الأمان من المتكلم للمخاطب، وتأمين المسلم المسلم عليه من أذاه جائز أن يقال لهم على أنه خبر، أي أنت في أمان من أذاي، فأعطني الأمان من أذاك، وعلى هذا ينبغي للمسلم أن يقصد هذا المعنى، ولا غضاضة في ذلك، فالإسلام دين الأمان والمسالمة، وإن لم يقصده وقصد التحية العادية فلا بأس، وبخاصة أن الحاجة في مجتمعنا إلى الترابط ونبذ الطائفية شديدة، والمسلمون ضعاف في أوطانهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويعجبني قول الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون أما السلام على جمع فيه مسلمون وكفار، أو مسلم وكافر، فيجوز ابتداؤهم بالسلام، ويقصد المسلمين، فقد سلم صلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.

وهل يدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً السلام على الفساق وأهل المعاصي؟ الجمهور على أنه لا يسلم على الفاسق، ولا على المبتدع، قال عبد الله بن عمرو "لا تسلموا على شربة الخمر" وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف وابن عدي بسند أضعف عن ابن عمر "لا تسلموا على من شرب الخمر، ولا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا" قال النووي: المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً، ولم يتب منه، لا يسلم عليهم، ولا يرد عليهم السلام، وقال مالك: لا يسلم على أهل الأهواء، وقال المهلب: ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية. قال النووي: فإن اضطر إلى السلام، بأن خاف ترتيب مفسدة في دين، أو دنيا، إن لم يسلم، سلم، زاد ابن العربي: وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه قال: الله رقيب عليكم. اهـ وقصة كعب بن مالك، حين تخلف عن غزوة تبوك، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلامه، عمدة في هذه المسألة.

أما رد السلام فقد قال النووي: إنه واجب، فإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يرد الجميع، وعن أبي يوسف أنه لا بد أن يرد الجميع. اهـ واتفقوا على أن من سلم على جماعة، فرد عليه واحد من غيرهم، لا يجزئ عنهم، واختلفوا في حكم الرد على من سلم عند قيامه من المجلس، إذا كان قد سلم حين دخل، فقال القاضي حسين: لا يجب الرد، ووافقه المتولي، وخالفه المستظهري، فقال: السلام سنة عند الانصراف، فيكون الجواب واجباً. قال النووي: هذا هو الصواب.

ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة، وأن رده فرض، وقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015