المميزين، وقد اتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان، ولو سلم على رجال وصبيان، فرد السلام صبي منهم، هل يسقط فرض الرد عن الرجال؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما يسقط، ومثله الخلاف في صلاة الجنازة، هل يسقط فرضها بصلاة الصبي؟ الأصح سقوطه، ونص عليه الشافعي، ولو سلم الصبي على رجل لزم الرجل رد السلام، وهذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور، وقال بعض أصحابنا: لا يجب، وهو ضعيف أو غلط.
وهل يدخل في عموم إفشاء السلام السلام على الكافرين؟ ذهبت طائفة إلى جواز بدئهم بالسلام، فأخرج الطبري من طريق ابن عيينة، قال: يجوز ابتداء الكافر بالسلام، لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8] وقول إبراهيم لأبيه {سلام عليك} [مريم: 47] وأخرج ابن أبي شيبة عن عون بن عبد الله عن محمد بن كعب، أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام، فقال: نرد عليهم ولا نبدؤهم. قال عون لمحمد بن كعب: فكيف تقول أنت؟ قال: ما أرى بأساً أن نبدأهم. قلت: لم؟ قال؟ لقوله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلام} [الزخرف: 89] وقال البيهقي: عن أبي أمامة أنه كان يسلم على كل من لقيه، فسئل عن ذلك، فقال: إن الله جعل السلام تحية لأمتنا، وأماناً لأهل ذمتنا.
وقال النووي: روي جواز ابتدائنا لهم بالسلام عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز، وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي، لكنه قال: يقول: السلام عليك، ولا يقول: عليكم بالجمع، واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث، وبإفشاء السلام، وهي حجة باطلة، لأنه عام مخصوص، بحديث "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" أخرجه مسلم وسيأتي قريباً، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأخرج النسائي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني راكب غداً إلى اليهود، فلا تبدءوهم بالسلام" ثم قال النووي: وقال بعض أصحابنا: يكره ابتداؤهم بالسلام، ولا يحرم، وهذا ضعيف أيضاً، لأن النهي للتحريم، فالصواب تحريم ابتدائهم. اهـ ويجيب المانعون على أدلة المجوزين بأن العموم في الأحاديث مخصوص، وأن قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} ليس صريحاً في رخصة السلام، وأن قول إبراهيم لأبيه ليس القصد منه سلام التحية، بل القصد منه المتاركة والمباعدة، وصرح بعض السلف بأن قوله تعالى {فاصفح عنهم وقل سلام} نسخت بآية القتال، وللطبري رأي يحاول به الجمع والتوسط بين الرأيين، فيقول: لا مخالفة بين حديث أسامة في سلام النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار، حيث كانوا مع المسلمين، وبين حديث أبي هريرة "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى" في النهي عن السلام على الكفار، لأن حديث أبي هريرة عام، وحديث أسامة خاص، فيختص حديث أبي هريرة بما إذا كان الابتداء لغير سبب ولا حاجة، من حق الصحبة أو حق المجاورة، أو حق المكافأة، أو نحو ذلك، قال النووي: وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام لضرورة أو حاجة أو سبب، وهو قول علقمة والنخعي.
اهـ وقيل في المراد من حديث أبي هريرة منع ابتدائهم بالسلام المشروع، فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه، كأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فهو جائز، كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وغيره "سلام على من اتبع الهدى" وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال: السلام على