وفيه "فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وقد صلى هو وصاحبه- فكنت أول من حياه بتحية الإسلام" قال الطحاوي: وهذا لا ينافي حديث ابن مسعود في ذم السلام للمعرفة، لاحتمال أن يكون أبو ذر سلم على أبي بكر قبل ذلك، أو لأن حاجته كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، دون أبي بكر، قال الحافظ ابن حجر: والاحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام، وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع بتعميم السلام، ويحتمل أن يكون أبو بكر توجه بعد الصلاة إلى منزله، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله، فدخل عليه أبو ذر، وهو وحده، ويؤيده ما أخرجه مسلم والبخاري في قصة إسلام أبي ذر "أنه قام يلتمس النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفه، ويكره أن يسأل عنه، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فاستتبعه -أي عرف حاجته، فطلب منه أن يتبعه إليه- حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم".
ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً سلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال، والجمهور على جوازه، عند أمن الفتنة، فعند البخاري عن سهل رضي الله عنه، قال: "كنا نفرح يوم الجمعة، قيل لسهيل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز، تأخذ من أصول السلق، فتطرحه في قدر، وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا، ونسلم عليها، فتقدمه إلينا، فنفرح من أجله" وعنده أيضا "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله. ترى ما لا نرى".
وجبريل -عليه السلام- كان يأتي في صورة رجل، وفي مسلم حديث أم هانئ "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسل، فسلمت عليه" وعند الترمذي وحسنه حديث أسماء بنت يزيد "مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلم علينا" قال الحليمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة مأموناً من الفتنة، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم، وإلا فالصمت أسلم.
وفرق المالكية بين الشابة والعجوز، فأجازوا السلام على العجوز، ومنعوا السلام على الشابة، سداً للذرائع، وحجتهم حديث سهل الماضي قريباً، فإنها كانت عجوزاً.
ومنع ربيعة سلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال مطلقاً، ويستند إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير "بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء، والنساء على الرجال" قال الحافظ ابن حجر: وهو مقطوع أو معضل.
وقال الكوفيون: لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال، لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويستثنى المحرم، فيجوز لها السلام على محارمها، وتعقب بأن الرجال الذين كانوا يزورون المرأة بعد الجمعة وتطعمهم في حديث سهل، لم يكونوا من محارمها.
وقال المتولي: السلام على الأجنبية، إن كانت جميلة، يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام، لا ابتداء، ولا جواباً، ولو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد، وإن كانت عجوزاً، لا يفتتن بها جاز.
ولو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنة.
وهذا كله عن السلام مشافهة، دون مصافحة، وسيأتي الكلام عنها.
ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً السلام على الصبيان، وسيأتي في مسلم عما قريب عن أنس رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان، فسلم" قال النووي: فيه استحباب السلام على الصبيان