(واعدتني، فجلست لك، فلم تأت) أي فجلست لك أنتظرك حسب الموعد، فلم تأت في الموعد، والكلام على الاستفهام، أي فلماذا لم تأت في الموعد؟ وفي رواية البخاري "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه، فشكا إليه ما وجد" أي ما شق عليه من إبطائه، وفي الرواية الثالثة "فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة" أي فلماذا لم تلقني؟ .
(منعني الكلب الذي كان في بيتك) أي منعني من الدخول إليك للقائك، ولا يقال: كان يمكن أن يناديه من الخارج، ولا يسمع غيره صوته، أو كان يمكن أن يظهر له، فيخرج له، أو كان يمكن أن يلقاه في المسجد، أو في طريقه إليه، عند كل صلاة، إن لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض شئونه في هذا اليوم وليلته، لا يقال شيء من أمثال هذه الإمكانات، فهي إرادة الله وحكمته، لا يعلمها إلا هو، وربما كان هذا التأخير لإيلامه صلى الله عليه وسلم، ليحرص على إبعاد الكلاب عن بيوته المطهرة، والتعبير بالكلب بدل الجرو للإشارة إلى أنه لا يستهان به ككلب صغير، فهو والكبير سواء في النجاسة.
(إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) المراد من البيت المكان الذي يستقر فيه الشخص، سواء كان بناء أم خيمة أم غير ذلك، والضمير في "إنا" يحتمل أنه للمتكلم المعظم نفسه، وهو بعيد جداً، ويحتمل أن يراد به جبريل وأمثاله من رسل الملائكة، ويحتمل أن يراد به ملائكة الرحمة. فـ"ال" في الملائكة في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والثامنة والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين، للعهد الذهني، ويحتمل عموم الملائكة، بما في ذلك الحفظة، الكاتبون فقد يكتبون ما يجري وهم خارجون، كما قيل عنهم عند التواجد في الخلاء، ويحتمل التخصيص في صفة الدخول، أي لا ندخل دخول انشراح وسرور، وإن دخلنا البيت الذي فيه الكلب بغير هذه الصفة، احتمالات، يأتي الكلام عنها في فقه الحديث، أما العموم في "كلب" فقيل: هو على عمومه، لأنه نكرة في سياق النفي، فيشمل كلاب الصيد والماشية والزرع وغيرها، وقيل: خصص، واستثنى منه الكلاب التي أذن في تربيتها، ذهب الخطابي وطائفة إلى الثاني، وجنح القرطبي والنووي وغيرهم إلى ترجيح العموم، واستدلوا بأن الجرو أحيط به عدم العلم، وهو عذر، وامتنع جبريل من الدخول مع ظهور العذر فيه، فإذا كان العذر لم يسمح لهم بالدخول، فكذلك الإذن في اتخاذه لا يسمح لهم بالدخول، وتعقب بأنه لا يلزم من التسوية بين ما علم به، وما لم يعلم به، التسوية بين ما أذن باتخاذه، وما لم يؤمر باتخاذه.
وفائدة إعادة حرف النفي في "ولا صورة" الاحتراز من توهم قصر عدم الدخول على اجتماع الصنفين، فلا يمتنع الدخول مع وجود أحدهما، فلما أعيد حرف النفي صار التقدير: ولا ندخل بيتاً فيه صورة، وهل العموم في "صورة" باق؟ أو خصص؟ قولان، كما قيل في "كلب" وفي الرواية الثالثة والعشرين "لا تدخل الملائكة بيتاً، فيه تماثيل أو تصاوير" والجمع فيه ليس للاحتراز، فمعظم الروايات بالإفراد، والتماثيل جمع تمثال، قال الحافظ ابن حجر: وهو الشيء المصور، أعم من أن يكون شاخصاً، أو يكون نقشاً، دهاناً، أو نسجاً في ثوب. اهـ فعطف "التصاوير" على التماثيل تفسيري.