السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين* وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين} [الأنبياء: 52 - 57]. {فتولوا عنه مدبرين* فراغ إلى ءالهتهم} [الصافات: 90، 91] وقد وضع القوم موائد الطعام بين أيديهم، تقرباً إليهم {فقال ألا تأكلون* ما لكم لا تنطقون* فراغ عليهم ضرباً باليمين} [الصافات: 91 - 93].

وانتقلت الأصنام وعبادتها إلى العرب، واتخذوا تماثيل سموها بأسماء أصنام قوم نوح، فكان "ود" لكلب بدومة الجندل، وكان "سواع" لهذيل، وكان "يغوث" لمراد، وبني غطيف عند سبأ، وكان "يعوق" لهمدان، وكان "نسر" لحمير، بالإضافة إلى أصنام أخرى كثيرة سموها بأسماء، ونصبوها في الكعبة وحولها حتى حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد قطع هذه الفتنة الشيطانية من جذورها، فكانت هذه الأحاديث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير من مهنة التصوير، وبالوعيد الشديد للمصورين "إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله". الذين يضاهون بخلق الله". "إن أصحاب هذه الصور يعذبون". "يقال لهم يوم القيامة: أحيوا ما خلقتم" إن كنتم تستطيعون، ولن تستطيعوا، يكلفون أن ينفخوا الروح في مثل ما صوروا، وليسوا بنافخين، سيصور لهم بكل صورة صوروها تمثال من نار، يعذبون به في جهنم، إنهم في الدنيا ضلوا، وأضلوا كثيراً، إنهم ألبسوا على الناس المخلوق والخالق، فجعلوهم يشركون بالله ما لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر، لقد أوهموا الناس بالباطل، فهم حقيقة لا يستطيعون في دنياهم أن يخلقوا من الجمادات ذرة رمل، فضلاً عن أن يخلقوا حبة قمح أو حبة شعير.

هكذا بدأت الشريعة الإسلامية حربها للأصنام، ولما يعبد من دون الله، فقد كانت البداية التصوير، وإذا منعت البداية منع ما يترتب عليها من أخطار، لكن المصورين -مسلمين أو غير مسلمين- قد لا يمتنعون عن التصوير، فهو مهنة وسبيل كسب للعيش، فكان أن حذر المسلمون من استعمال الصورة واقتنائها، فقال صلى الله عليه وسلم "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة أو كلب" وفهم المسلمون الهدف، واستقر عندهم عدم الإشراك بالله شيئاً، لكنهم وجدوا أنفسهم في حاجة إلى الصور في حياتهم، إنهم يلبسون الملابس المستوردة من الفرس والروم، وهي لا تخلو من الرسوم والصور، فرخص لهم باستعمالها فيما يمتهن، حيث يؤمن على الجاهل تعظيم ما يمتهن وعبادته، ثم أذن لهم باستعمال ما كان رقماً في ثوب، ورسماً صغيراً في مساحة كبيرة، ثم رخص لهم في المصور بالشجر والجمادات، وبقي المنع في تماثيل الإنسان والحيوان، اللهم إلا تماثيل اللعب للبنات الصغيرات. وكل ذلك لحماية الإنسانية من العودة لتقديس التماثيل وعبادة الأصنام.

ولا يتوهم متوهم أن الإنسانية قد ارتقت، وبلغت من النضوج العقلي والعلمي ما يستحيل معه أن تعبد الأحجار والماديات، لا يتوهم متوهم هذا، فإن الإنسانية تمر بأطوار التخلف بعد التقدم، والجهل بعد العلم وتلك حقيقة أرادها الله للإنسان، والوقاية خير من العلاج، وسد الذرائع خير من حسن القصد والنية، والله الهادي سواء السبيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015