(ونحن بأذربيجان) دولة معروفة وراء العراق، وفي ضبط اللفظ وجهان مشهوران: أفصحهما وقول الأكثرين بفتح الهمزة بغير مد، وإسكان الذال وفتح الراء وكسر الباء، وهذا هو الأشهر، والثاني مد الهمزة وفتح الذال وفتح الراء وكسر الباء.
(يا عتبة بن فرقد، إنه ليس من كدك، ولا من كد أبيك، ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك) الضمير في "إنه" للمال الذي يتمتع به عتبة، كقائد، والكد التعب والمشقة، والمراد من الرحال المنازل، والمعنى: إن هذا المال الذي عندك، والذي تتمتع به فوق تمتع من معك من الجند، ليس هو من كسبك، وليس هو مما تعبت أنت فيه، وبذلت لتحصيله المشقة والعناء، وليس من كد أبيك وأمك، فورثته منهما، بل هو مال المسلمين، فأنت وهم فيه شركاء، فلا تختص عنهم بشيء، بل أشبعهم منه، وهم في منازلهم، كما تشبع نفسك وأهلك، جنساً وقدراً وصفة، ولا تحوجهم إلى المطالبة بأرزاقهم، بل أوصلها إليهم، وهم في منازلهم بلا طلب. والسبب في هذا الكتاب العنيف ما رواه أبو عوانة في صحيحه "أن عتبة بن فرقد بعث إلى عمر، مع غلام له، بسلال" -بضم السين وتخفيف اللام، جمع سل بفتح السين وكسرها مع تشديد اللام، وسلة بفتح السين واللام المشددة، وهي وعاء من شقاق القصب ونحوه، تحمل فيه الفاكهة ونحوها -"فيها خبيص" أي حلواء مخلوطة بالتمر والسمن- "عليها اللبود" -ضرب من البسط، وما يوضع تحت السرج- "فلما رآه عمر قال: أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا؟ قيل له: لا. فقال عمر: لا أريده، وكتب إلى عتبة بهذا الكتاب.
(وإياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير) زاد في رواية علي بن الجعد "فاتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف والسراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، واخشوشنوا، واخلولقوا" ومقصود عمر رضي الله عنه حثهم على خشونة العين، وصلابتهم، لما سيلقونه من شدائد و"الزي" بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة والمنظر، واللباس، فالنهي عن التشبه بأهل الشرك فيما لا يوافق الشرع، و"لبوس الحرير" بفتح اللام، وتخفيف الباء ما يلبس، أي إياكم وملبوس الحرير، قال تعالى: {وعلمناه صنعة لبوس لكم} [الأنبياء: 80] أي ملبوس لكم.
(نهى عن لبوس الحرير -قال: إلا هكذا- ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه، الوسطى والسبابة، وضمهما) في هذه الرواية أن الذي رفع إصبعيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفسير الإصبعين لعمر على ما هو الظاهر، وفي آخر الرواية "ورفع زهير إصبعيه" وفي الرواية الرابعة عشرة "وقال أبو عثمان بإصبعيه اللتين تليان الإبهام" وعند البخاري "وأشار أبو عثمان بإصبعين، المسبحة والوسطى" ولا تخالف، فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار أولاً، ثم نقله عنه عمر، فبين بعد ذلك بعض رواية صفة الإشارة، وأشار بعضهم نفس الإشارة.
(هذا في الكتاب) الإشارة إلى رفع الإصبعين، والمراد من الكتاب كتاب عمر، أي ليست إشارة أبي عثمان من إنشائه، بل هي في كتاب عمر.