ونقل الحافظ ابن حجر عن الطبراني عن عطارد نفسه أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج، كساه إياه كسرى، قال الحافظ: والجمع بين هذا وبين حديث رفض الشراء أن عطارداً لما أقامه في السوق ليباع، لم يتفق له بيعه، فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم. اهـ وهذا الجمع بعيد، لأن ما يرفض شراءه صلى الله عليه وسلم يرفض قبول هديته في ذات الوقت، وروايتنا السادسة تقول "ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل" وروايتنا السابعة تقول "فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء" وروايتنا الثامنة تقول "فلبث عمر ما شاء الله، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج ... " وتقول روايتنا السابعة عشرة "لبس النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قباء من ديباج، أهدي له، ثم أوشك أن نزعه، فأرسل به إلى عمر بن الخطاب، فقيل له: قد أوشك ما نزعت يا رسول الله؟ فقال: نهاني عنه جبريل، فجاء عمر يبكي .. " وتقول روايتنا الثامنة عشرة "عن علي رضي الله عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سبراء، فبعث بها إلي، فلبستها، فعرفت الغضب في وجهه، فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ... ".

وطريق الجمع بين هذه الأحاديث سهل، فقد كانت حلة عطارد من الحرير الخالص الواضح لخبراء الحرير وغير خبراء الحرير، وكان الهدف شراءها ولبسها، فرفض الشراء واللباس، ومنع على من له خلاق إسلامي، ثم أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة، ثم حلل أخرى، غير حلة عطارد قد تكون إحداها من عطارد، أهداها إليه كسرى، لأنه كان يتردد عليه، ويصيب منه، وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل من الفيء ونحوه، فكان أن أرسل إحداها إلى عمر، وأخرى إلى علي، وكانت القاعدة أن يلبسها النساء، لا الرجال، أما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لبس حلة، ثم نزعها فتلك حلة اختلط حريرها بغيره، وظنها صلى الله عليه وسلم من غير الممنوعات، فأوحي إليه بنزعها، وتطبيق القاعدة عليها.

و"لو" في قوله "لو اشتريت هذه؟ فلبستها" للتمني، أو للشرط، وجوابها محذوف، أي لكان حسناً.

(فلبستها للناس يوم الجمعة؟ وللوفد إذا قدموا عليك) وفي الرواية السابعة "فلو اشتريتها، فلبستها لوفود العرب، إذا قدموا عليك؟ ولبستها يوم الجمعة" قال الحافظ ابن حجر: وكأنه خصه بالعرب لأنهم كانوا إذ ذاك الوفود في الغالب، لأن مكة لما فتحت بادر العرب بإسلامهم، فكان كل قبيلة ترسل كبراءها ليسلموا، ويرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، وفي الرواية الثامنة "يا رسول الله، ابتع هذه، فتجمل بها للعيد وللوفد" فبعض الروايات ذكر العيد، وبعضها ذكر الجمعة، ويجمع بالأخذ بالروايتين، وعند النسائي "فتجمل بها لوفود العرب إذا أتوك، وإذا خطبت الناس في يوم عيد وغيره".

(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة) في الرواية السابعة "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة" وفي الرواية الثامنة "إنما هذه لباس من لا خلاق له" وفي الرواية التاسعة "إنما يلبس هذا من لا خلاق له" والخلاق النصيب، وقيل: الحظ، وهو المراد هنا أي من لا حظ له ولا نصيب، ويطلق أيضاً على الحرمة، وعلى الدين، أي من لا حرمة له، أو من لا دين له.

(فقال عمر: يا رسول الله، كسوتنيها) قال ذلك باعتبار ما فهم هو، وإلا فقد ظهر من بقية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015