(ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً) أي مباحاً، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه، وينهى عنه، وفي الرواية السادسة عشرة "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاماً قط" ونفي العلم أدق من نفي الوقوع.
(قط) بفتح القاف وتشديد الطاء، ظرف زمان، لاستغراق ما مضى، وتختص بالنفي في الماضي، واشتقاقه من قططت الشيء، أي قطعته، والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن. وهي مبنية على الضم في أفصح اللغات وقد تكسر، وقد تتبع قافه طاءه، في الضم، وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها.
(كان إذا اشتهى شيئاً أكله) أي إن اشتهي شيئاً قدم إليه، وفي الرواية السادسة عشرة "كان إذا اشتهاه أكله" أي أكل منه.
(وإن كرهه تركه) وفي الرواية السادسة عشرة "وإن لم يشتهه سكت" أي سكت عن عيبه.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الأحاديث]-
1 - من الرواية الأولى، من قول أمهات المؤمنين جميعهن "والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء" ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأهل بيته من الزهد في الدنيا، والصبر على الجوع وضيق الحال.
2 - ومن سؤاله صلى الله عليه وسلم أزواجه عن طعام للضيف، ثم عرضه على أصحابه، أنه ينبغي لكبير القوم أن يبدأ في مواساة الضيف بنفسه، فيواسيه من ماله أولاً إن تيسر، فإن لم يتيسر له طلب له من أصحابه المواساة، على سبيل التعاون على البر والتقوى.
3 - ومشروعية المواساة في حال الشدائد، وهو مأخذ مشترك بين الرواية الأولى وأغلب الروايات.
4 - ومن فعل الأنصاري بضيفه إكرام الضيف وإيثاره.
5 - ومن رضي الله عنه وعن امرأته منقبة عظيمة لهما.
6 - والاحتيال في إكرام الضيف، لقوله "أطفئي السراج، وأريه أنا نأكل" وذلك عند الحاجة إلى الاحتيال، فإن الضيف ربما امتنع عن الأكل، رفقاً بأهل المنزل، إذا علم قلة الطعام.
7 - ومشروعية إيثار الضيف على الصغار ومن يعولهم المسلم، قال النووي: وهذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان، من غير جوع يضرهم، فإنهم لو كانوا على حاجة، بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجباً، ويجب تقديمه على الضيافة، وقد أثنى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل وامرأته، فدل على أنهما لم يتركا واجباً، بل أحسنا وأجملا رضي الله عنهما، وأما الرجل وامرأته فآثراه على أنفسهما، برضاهما، مع حاجتهما وخصاصتهما، فمدحهما الله تعالى، وأنزل فيهما {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9].