وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع.
قال ابن التين: قيل: إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع، فحسب، وطائفة يجوعون أنفسهم، يقصدون بذلك قمع شهوة النفس، وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق. قال الحافظ ابن حجر: وهو صحيح، لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه، وهو لائق بالقول الثاني.
(رأى ابن عمر مسكيناً، فجعل يضع بين يديه، ويضع بين يديه، فجعل يأكل أكلاً كثيراً) في رواية للبخاري "عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين، يأكل معه، فأدخلت رجلاً يأكل معه، فأكل كثيراً، فقال: يا نافع: لا تدخل هذا علي .... " الحديث وفي رواية له "كان أبو نهيك -بفتح النون وكسر الهاء- رجلاً أكولاً، فقال له ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، فقال: فأنا أومن بالله ورسوله" وعند الحميدي "قيل لابن عمر: إن أبا نهيك رجل من أهل مكة، يأكل أكلاً كثيراً" فالظاهر من الروايات أن ابن عمر لما سمع بأبي نهيك أراد أن يرى، فدعاه ليأكل معه، فلما رأى منه ما رأى قال لنافع: لا تدخل هذا علي مرة أخرى، وأسمع أبا نهيك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف، وهو كافر) قال الحافظ ابن حجر: هذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري، فقد أخرج ابن شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريق جهجاه "أنه قدم في نفر من قومه، يريدون الإسلام، فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فلما سلم قال: ليأخذ كل رجل بيد جليسه، فلم يبق غيري، فكنت رجلاً عظيماً طويلاً، لا يقدم علي أحد، فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله، فحلب لي عنزاً، فأتيت عليه، ثم حلب لي آخر، حتى حلب سبعة أعنز، فأتيت عليها، ثم أتيت بصنيع برمة، فأتيت عليها، فقالت أم أيمن: أجاع الله من أجاع رسول الله، فقال: مه يا أم أيمن، أكل رزقه، ورزقنا على الله، فلما كانت الليلة الثانية، وصلينا المغرب، صنع ما صنع في الليلة التي قبلها، فحلب لي عنزاً، ورويت، وشبعت، فقالت أم أيمن: أليس هذا ضيفنا؟ قال: إنه أكل في معي واحد الليلة، وهو مؤمن، وأكل قبل ذلك في سبعة أمعاء، الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد".
وأخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمر، قال "جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال، فأخذ كل رجل من الصحابة رجلاً، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو غزوان. قال: فحلب له سبع شياه، فشرب لبنها كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك يا أبا غزوان أن تسلم؟ قال: نعم. فأسلم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، فلما أصبح حلب له شاة واحدة، فلم يتم لبنها. فقال: مالك يا أبا غزوان؟ قال: والذي بعثك نبياً لقد رويت. قال: إنك أمس كان لك سبعة أمعاء، وليس لك اليوم إلا معي واحد".
وذكر ابن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال، أنه لما أسر، ثم أسلم وقعت له قصة شبيهة، ولا مانع من التعدد.