(فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر) في الرواية الثانية "فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقري" قال جمهور أهل اللغة: القهقري الرجوع إلى وراء ووجهه إليك، إذا ذهب عنك، وقال أبو عمر: هو الإسراع في الرجوع، والأول هو المشهور المعروف.
قال النووي: وإنما رجع القهقرى خوفاً من أن يبدو من حمزة رضي الله عنه أمر يكرهه، لو ولاه ظهره، لكونه مغلوباً بالسكر.
(كنت ساقي القوم) ذكر من القوم أبو طلحة، زوج أم أنس، أم سليم، وهو زيد بن سهل، وفي الرواية الرابعة أبو أيوب، وفي الرواية السابعة أبو دجانة ومعاذ بن جبل، وفي ملحقها سهل بن بيضاء، وفي الرواية التاسعة أبو عبيدة بن الجراح، وأبي بن كعب، فهؤلاء سبعة، وقد وقع عند عبد الرزاق أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً. قال الحافظ ابن حجر: ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره، عن أنس أن أبا بكر وعمر كانا فيهم، قال: وهو منكر، مع نظافة سنده، وما أظنه إلا غلطاً، فعند أبي نعيم من حديث عائشة قالت: "حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا إسلام" قال: ويحتمل إن كان محفوظاً أن يكون أبو بكر وعمر زارا أبا طلحة في ذلك اليوم، ولم يشربا معهم. اهـ وكانت الحادثة في بيت أبي طلحة، بيت أنس بن مالك.
وفي الرواية الخامسة "إني لقائم على الحي، على عمومتي" فأطلق عليهم "عمومتي" لأنهم كانوا أسن منه، ولأن أكثرهم كانوا من الأنصار.
(يوم حرمت الخمر) قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح، سنة ثمان، قبل الفتح، لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر؟ فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف، فلقيه يوم الفتح براوية خمر، يهديها إليه، فقال: يا فلان. أما علمت أن الله حرمها؟ فأقبل الرجل على غلامه، فقال: بعها، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الذي حرم شربها حرم بيعها" وقال الحافظ في مكان آخر: ثم رأيت الدمياطي في سيرته جزم بأن تحريم الخمر كان سنة الحديبية، والحديبية كانت سنة ست، وذكر ابن إسحاق أنه كان في واقعة بني النضير، وهي بعد وقعة أحد، وذلك سنة أربع على الراجح. قال الحافظ: وفيه نظر، لأن أنساً كما سيأتي كان الساقي يوم حرمت، وأنه لما سمع المنادي بتحريمها بادر فأراقها، فلو كان ذلك سنة أربع لكان أنس يصغر عن ذلك. اهـ وما استبعده الحافظ ليس ببعيد، بل هو أقرب الأقوال لواقع الروايتين الأولى والثانية فأنس رضي الله عنه سنة أربع كان ابن أربع عشرة، وهو سن يليق بذلك، ولا يصغر عن ذلك، وحادثة حمزة رضي الله عنه كانت عقب بدر، وقبل أحد بكل تأكيد، لأن حمزة استشهد بأحد، وقد سيقت الحادثة على أنها من مفاسد الخمر، ومن أسباب نزول آية تحريمها، ومن المستبعد أن تشيع هذه المفاسد وتبقى الخمر مباحة إلى سنة ثمان، وما استدل به من حديث أحمد لا يصلح دليلاً، فكون الرجل الثقفي لم يعلم بتحريم الخمر إلا عام الفتح لا يدل على أنها لم تحرم قبل عام الفتح. والله أعلم.
وروى أصحاب السنن عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت