الآية التي في البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219] فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت التي في المائدة {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] صححه الترمذي.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة نحوه، وقال عند نزول آية البقرة: فقال الناس: ما حرم علينا، فكانوا يشربون، حتى أم رجل أصحابه في المغرب، فخلط في قراءته، فنزلت الآية التي في النساء {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] فكانوا يشربون، ولا يقرب الرجل الصلاة حتى يفيق، ثم نزلت آية المائدة، فقالوا: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله وناس ماتوا على فرشهم، وكانوا يشربونها -وفي رواية "ماتوا وهي في بطونهم"؟ فأنزل الله تعالى {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} [المائدة: 93] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو حرم عليهم لتركوه.
(وما شرابهم إلا الفضيخ -البسر والتمر) "الفضيخ" بفتح الفاء وكسر الضاد، آخرها خاء، على وزن عظيم، اسم للبسر إذا شدخ ونبذ، والبسر تمر الفسخ قبل أن يصير رطباً، قال إبراهيم الحربي: الفضيخ أن يفضخ البسر -أي يشق- ويصب عليه الماء، ويترك حتى يغلي. اهـ أي حتى يتخمر ويطفو زبده وقال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر، من غير أن تمسه النار، فإن كان معه تمر فهو خليط. وفي الرواية الخامسة "أسقيهم من فضيخ لهم. قلت لأنس: ما هو [الفضيخ أو الشراب]؟ قال: بسر ورطب" وفي الرواية السابعة "وإنها لخليط البسر والتمر" وفي ملحقها "وكانت عامة خمورهم يومئذ خليط البسر والتمر" وفي الملحق الآخر "من مزادة فيها خليط بسر وتمر" وفي الرواية الثامنة "نهي أن يخلط التمر والزهو، ثم يشرب" والزهو بفتح الزاي وسكون الهاء، بعدها واو، وهو البسر الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب، وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والرطب، كما يطلق على خليط البسر والتمر، وكما يطلق على البسر وحده، وعلى التمر وحده، وعليه قوله في الرواية التاسعة "شراباً من فضيخ وتمر".
(فإذا مناد ينادي، فقال: اخرج فانظر، فخرجت، فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فجرت في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها) في الرواية الرابعة "إذ جاء رجل، فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا. قال: فإن الخمر حرمت، فقال: يا أنس، أرق هذه القلال" ونحو ذلك في الرواية الخامسة والسابعة والتاسعة. قال الحافظ ابن حجر: ظاهر هذه الأخبار التعارض، وقد نقل ابن التين عن الداودي أنه قال: لا اختلاف بين الروايتين، لأن الآتي أخبر أنساً، وأنس أخبر القوم، وتعقبه ابن التين بأن نص الرواية أن الآتي أخبر القوم مشافهة بذلك، قال الحافظ: فيمكن الجمع بوجه آخر، هو أن المنادي غير الذي أخبرهم، أو أن أنساً لما أخبرهم عن المنادي جاء المنادي أيضاً في إثره، فشافههم.