الحاضرون من الصحابة بالنسخ، وقد جاء في مسند أحمد، عن طريق أم سليمان، قالت: دخلت على عائشة، فسألتها عن لحوم الأضاحي، فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ثم رخص فيها، فقدم علي، من السفر، فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها، فقال: أو لم ننه عنه؟ قالت: إنه قد رخص فيها" فهذا علي، قد اطلع على الرخصة في أول عهد أبي بكر، ومع ذلك خطب في أواخر عهد عثمان بالمنع، فالمخرج أنه ربط الحكم بالعلة، ووجدت العلة سنة خطب ومنع، أما ابن عمر فيمكن حمل قوله وعمله على تحريه الأفضل، لا على الوجوب.

القول الخامس: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للتنزيه، كالأمر في قوله تعالى {فكلوا منها وأطعموا القانع} [الحج: 36] حكاه البيهقي عن الشافعي، وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالاً، وقال المهلب: إنه الصحيح، لقول عائشة، فيما رواه البخاري "الضحية كنا نملح منه -أي نضع على لحمها الملح، ليعيش زمناً طويلاً- فنقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام، وليست بعزيمة -أي ليس النهي وجوبياً، ولا ملزماً- ولكن أراد أن نطعم منه" وهذا الحديث نفسه عند أبي نعيم، بلفظ: "قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نأكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام، جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير" ولفظه عند الطحاوي "أكان يحرم لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قال: لا. ولكنه لم يكن يضحي منهم إلا القليل، ففعل، ليطعم من ضحى منهم من لم يضح؟ .

القول السادس: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للكراهة لعلة، وهذه الكراهة باقية لم تنسخ، حتى اليوم، إذا وجدت العلة.

قال النووي في آخر عرضه للأقوال كما سبق: والصحيح نسخ النهي مطلقاً، وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث، والأكل إلى متى شاء. اهـ

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

1 - قال النووي: في الحديث تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث.

2 - وجواز التزود منه للأسفار. أخذ ذلك من أحاديث ثوبان، روايتنا الثانية عشرة، والثالثة عشرة.

3 - وفيه أن الادخار، والتزود في الأسفار، لا يقدح في التوكل، ولا يخرج صاحبه عن التوكل، خلافاً لمن كرهه، وقد ورد فيه "كان صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة؟ وفي رواية "كان لا يدخر لغد" والأول في الصحيحين والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه، ويدخر لعياله. وقال ابن بطال: في الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار طعام لغد، وأن اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئاً، ولو قل، وأن من ادخر أساء الظن بالله.

4 - وفيه أن الضحية مشروعة للمسافر، كما هي مشروعة للمقيم. قال: وهذا مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء، وقال النخعي وأبو حنيفة: لا ضحية على المسافر، وروي هذا عن علي رضي الله عنه، وقال مالك وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015